اسم الکتاب : الكلمات المقدسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 385
يفسد حكمُ حقيقةٍ حُكْماً لأُخرى، ولا تستوحش حقيقة من
غيرها. وعلى هذه الصورة المتجانسة المتناسقة بيّنَ القرآن الكريم حقائق الاسماء
الإلهية والصفات الجليلة والشؤون الربانية والافعال الحكيمة بياناً معجزاً بحيث
جعل جميع أهل الكشف والحقيقة وجميع اولي المعرفة والحكمة الذين يجولون في عالم
الملكوت، يصّدقونه قائلين امام جمال بيانه المعجز والاعجابُ يغمرهم:( سبحان الله!
ما اصوبَ هذا! وما اكثر انسجامه وتوافقه وتطابقه مع الحقيقة وما اجمله وأليقه )
قلت: لقد قرأت اهتمام المسلمين بما ورد في القرآن من
الحقائق، بل إنهم يذكرون أنه ما من رطب ولا يابس إلا وفي القرآن نبأه .. أفلست ترى
في ذلك تكلفا؟
قلت: لا.. لا أراه التكلف.. لقد ذكر النورسي هذا.. وأجاب
عنه.. اسمع ما قال ذلك الرجل الرباني:( نعم! في القرآن كل شئ. ولكن لا يستطيع كل
واحد أن يرى فيه كلَّ شئ. لأن صور الاشياء تبدو في درجات متفاوتة في القرآن
الكريم، فأحياناً توجد بذور الشئ أو نواه، واحياناً مجمل الشئ أو خلاصته، واحياناً
دساتيره، واحياناً توجد عليه علامات. ويرد كل من هذه الدرجات؛ اما صراحة أو اشارة
أو رمزاً أو ابهاماً أو تنبيهاً. فيعبّر القرآن الكريم عن اغراضه ضمن أساليب بلاغته،
وحسب الحاجة، وبمقتضى المقام والمناسبة )
كان لهذه الأحاديث لذة في نفسي لا تعدلها لذة.. وكان لصدق
محدثي وإخلاصه ما رغبني في الجلوس إليه والاستماع منه.
اتكأت على عشب الساحة كما اتكأ رافعا عن نفسي كل كلفة،
وقلت: لقد بدأت حديثك عن علاج الكآبة.. فهل في القرآن رقية السرور؟
أمسك المصحف بيده، وقال: ليس هناك رقية تمسح الآلام كهذا
الكتاب.. إن شئت سمه (كتاب السعادة الأبدية) إنه لا يحل بواد مقفرا إلا ملأه ريا،
ولا بضرع جاف إلا ملأه لبنا، ولا بسواد إلا ملأه بياضا.. إنه كتاب الابتسامة
العذبة المشرقة.
قلت: لا يهمني اللبن ولا البياض.. بل تهمني الابتسامة..
أحيانا تمتلئ نفسي بكآبة مخيفة..
اسم الکتاب : الكلمات المقدسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 385