بل إنه كان يرى أن
العمل فيما ليس له حكم في الكتاب والسنة برأي أولي الأمر في كل زمن بشرطه، هو أولى
من العمل برأي فقهاء القرون الحالية باعتباره أقرب للمصلحة، يقول في ذلك: ( إن
الأحكام السياسية والقضائية والإدارية - وهي ما يعبر عنها علماؤنا بالمعاملات- مدارها
في الشريعة الإسلامية على قاعدة درء المفاسد وحفظ المصالح أو جلبها)، ويستشهد لذلك
بترك عمر وغيره من الصحابة إقامة الحدود أحيانًا لأجل المصلحة، ويعقب على ذلك
بقوله: (فدل ذلك على أنها تقدم على النص)[2]
لذا اشترط أن يكون أصحاب
الرأي عالمين بالنصوص ومقاصد الشريعة وعللها حتى لا يخالفوها وليتيسر لهم ردع
المتنازع فيها إليها[3].
ومن التطبيقات على هذا
المبدأ موقف رشيد رضا من (الرق)، فقد برر
جواز منع الرقيق بتحريم المباح طبقاً للمصلحة، وذلك أنه عد المصلحة أصلاً في
الأحكام السياسية والمدنية يرجع إليه في غير تحليل المحرمات أو أبطال الواجبات[4].
ونرى أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في هذا
الباب خصوصا قصرت تقصيرا كبيرا، بل كانت فيه أميل إلى السلفية الحرفية منها إلى
السلفية التنويرية، ولهذا حصلت خلافات بينها وبين الشيخ ابن عاشور في بعض المسائل
كما ذكرنا سابقا.
[1] انظر:مجلة المنار: ج9،
ص721، وقد قال في مقدمة نشره لها: (وقد طبعت في هذه الأيام مجموعة رسائل في الأصول
لبعض أئمة الشافعية والحنابلة والظاهرية منها : رسالة للإمام نجم الدين الطوفي الحنبلي المتوفى سنة 716 تكلم فيها عن المصلحة بما لم نَرَ مثله
لغيره من الفقهاء، وقد أوضح ما يحتاج إلى الإيضاح منها في حواشيها الشيخ جمال
الدين القاسمي أحد علماء دمشق الشام المدققين فرأينا أن ننشرها بحواشيها في
المنار؛ لتكون تبصرةً لأولي الأبصار)