وبما أن حفظ القرآن
الكريم هو الكفيل بنشره في المجتمع، فقد دعا ابن باديس إلى الاهتمام بهذه
الناحية، فقال: (قد تقاصرت همم المسلمين في هذه المدة الأخيرة عن تعليم القرآن
وتعلمه، فقل الحافظون له، فعلى كل من نصب نفسه لإرشاد المسلمين في دينهم أن يحثهم
على العناية بحفظ كتاب ربهم، وعلى الكُتَّاب أن يطرقوا هذا الموضوع الكثير
النواحي، هذا يأتيه من ناحية فضل القرآن، وذلك من ناحية اختيار المعلمين وما هي
الصفات المطلوبة فيهم، والآخر من ناحية أسلوب التعليم وما هو أقرب إلى التحصيل من
أي الأساليب، ورابه من ناحية تحسين حال المعلمين وتوفير أجرتهم، وكل هذه النواحي
يلزم أن تتعدد فيها الكتابة حتى تحدث تأثيرا في المجتمع وتكون رأيا عاما في
الموضوع)[2]
ونحب أن ننبه هنا إلى أن كلتا المدرستين السلفيتين
المحافظة والتنويرية وقفتا على طرفي نقيض في هذا الجانب، فبينما أعطت السلفية
المحافظة للسنة المطهرة أهمية كبرى إلى درجة تقديمها أحيانا كثيرة على القرآن
الكريم نفسه، نجد على خلافها السلفية التنويرية، فهي تهتم بالقرآن أكثر من
اهتمامها بالسنة، بل إنها في تعاملها مع السنة تحاكمها إلى القرآن، وقد تنكر ما صح
من السنة إن عارض ما صرح من القرآن.
وهذه نقطة خلاف جوهرية بين كلا المدرستين، ولهذا نجد
السلفية المحافظة تحمل حملة شديدة على ابن باديس بسبب موقفه من بعض الأحاديث.
وكمثال
على ذلك موقفه من مسألة (والدي المصطفى a)، والتي تصر المدرسة
الوهابية على اعتبارهما من أهل النار، بل تعتبر ذلك عقيدة تميز أهل السنة عن
غيرهم، لكن ابن باديس يخالف ذلك، مستدلا لذلك
بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا }