اسم الکتاب : الاتجاهات الفكرية لجمعية العلماء والطرق الصوفية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 224
وليلي عنده ــ كما هي عند غيره من الصوفية
ــ رمز للذات المقدسة، وكأن العاشق هو قيس ليصور لنا تعلقه وهيامه بها، بحيث
يستحضر القارئ أو المستمع صورة (قيس) ذلك العاشق الولهان.
وقد نجح الشيخ ابن عليوة في نقل هذه المعاني
الحسية من الغزل العادي إلى الغزل الإلهي، بحيث أضحت معاني روحية صرفة، فحب ليلى
هو رمز الحضرة الإلهية، والقرب أو الدنو من ليلى هو القرب من ذات الله تعالى، ورفع
الرداء رمز لانكشاف الحجاب، وكذا ألفاظ الأنس والحضور الغيبية، ليست إلا رموزا تعكس
لنا بصدق، شوق الشاعر وتعلقه بالله وحده، وانقطاع قلبه عن كل شيء إلا عن محبته[1].
بل إن الصوفية – وخاصة صوفية العرفان
كما سنرى- لا يعتبرون من ليلى ومثيلاتها مجرد رموز، بل إنهم يذكرون أن قيسا في
الحقيقة لم يكن يحب مظهر ليلى، وإنما كان يحب الحقيقة المختفية وراءها، أو كما
يذكر ابن عربي أن قيسا قال لليلى لما عرضت له: (إليك عني فإن حبك شغلني عنك)[2]
أو كما عبر جلال الدين
الرومي عن ذلك بقوله: (إن كل
ضروب الرغبة والميل والمحبة والشفقة التي يكنها الناس لأنواع الأشياء تعد ضروبا من
محبة الحق والتوق إليه.. وتلك الأشياء جميعا حجب، وعندما يمضي الناس من هذا العالم
ويرون ذلك الملك من دون هذه الحجب يعلمون أن هذه الأشياء جميعا لم تكن سوى حجب
وأغظية، مطلوبهم على الحقيقة ذلك الأوحد) [3]
وقد أنشأ اعتماد هذه الرموز، وهذه اللغة الخاصة
بالصوفية الحاجة إلى تفسيرها، ونشأ
[1] انظر: الشارف لطروش،
الشيخ بن مصطفى العلاوي، رائد الحركة الصوفية في القرن العشرين، ص7.