اسم الکتاب : التنويريون والمؤامرة على الإسلام المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 52
العقل لا يدل
عليها، وإنما تستند لمجرد الإيمان الذي هو اختيار نابع من الإرادة، وليس نابعا من
التفكير.
وهذه نفس أطروحة
أركون، والتي ينطلق منها بعد ذلك لنقد المقدس والعقل الذي يستند إليه، ذلك أن نقد
العقل يعني نقد كل البنيان الفكري الذي بني عليه.
ومن هنا كانت
صعوبة محاورة أمثال هؤلاء، لأنهم ـ عند الحوار ـ لا يلتفتون للأفكار؛ فيناقشونها
وفق معايير محددة ثابتة، وإنما هم ينظرون من أبراجهم العاجية إلى المحاور لهم،
ويسخرون من طريقة حواره وتفكيره نفسها.
وهم في ذلك
يشبهون الحوار مع المحلل النفسي الذي لا يسمع للكلمات والأفكار المطروحة، بقدر ما
يلتفت لحركات جسد محدثه، وملامح وجهه، ليصنفه بعد ذلك في أي خانة من خانات الأمراض
النفسية.
وقد عبر علي حرب
عن هذا المعنى عند ذكره لدور فلسفة كانط في توجيه الحداثيين إلى مناقشة العقول،
بدل مناقشة الأفكار، فقال: (لا جدال في أن ما أتى به كانط هو عمل غير مسبوق يمتاز
بالجدّة والأصالة، وتتجلى الأصالة أول ما تتجلى في النقلة التي أحدثها كانظ في
مفهومه للنقد نفسه وفي ممارسته له بطريقة جديدة ومغايرة، ذلك أنه مع النقد الكانطي
ننتقل من نقد (الكتب والمذاهب) إلى نقد (العقل نفسه) أي نتخطى نقد المعارف إلى نقد
الآلة التي بها نعرف)
ولهذا وجد
الحداثيون بمختلف مدارسهم الفرصة لنقد المقدس عبر نقد العقل الذي يؤمن به، وبذلك
ينهار المقدس، لا من خلال مناقشة أطروحاته، وإنما من خلال مناقشة العقول التي تؤمن
به، وتستند إليه.
ولهذا يمكن
للمقدس ـ بحسب هؤلاء ـ أن يتحول إلى أي شيء، بحسب
اسم الکتاب : التنويريون والمؤامرة على الإسلام المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 52