هكذا بكل أدب
خاطب ربه سبحانه وتعالى، فقد ترك الأمر إليه، فلم يقترح عليه شيئا.. بل قال بكل
أدب: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ
فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118]
حتى أنه عند ذكر
المغفرة لم يقل: (فإنك أنت الغفور الرحيم).. وإنما قال: ﴿فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، أي
(إن تعذب ـ يا إلهى ـ قومي، فإنك تعذب عبادك الذين خلقتهم بقدرتك، والذين تملكهم
ملكا تاما، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بمملوكه. وإن تغفر لهم، وتستر
سيئاتهم وتصفح عنهم فذلك إليك وحدك، لأن صفحك عمن تشاء من عبادك هو صفح القوى
القاهر الغالب الذي لا يعجزه شيء. والذي يضع الأمور في مواضعها بمقتضى حكمته
السامية)[1]
هكذا خاطب الله
تعالى بكل أدب ورقة وتواضع وعبودية، ولو أن هؤلاء المتألين على الله تُرك لهم
الخطاب، وقد فعلوا من حيث لا يشعرون، لقالوا: (يا رب ارحمهم.. فقد كانوا جهلة..
وكانوا يحبونني كثيرا.. وقد رأوا من المعجزات التي حصلت على يدي ما جعلهم ينبهرون،
ويتصورون أني إله.. فلذلك اعذرهم يا رب العالمين، فأنت أرحم الراحمين.. ورحمتك
وسعت كل شيء)
أو يقولون له ـ
كما يقول بعض من يزعم لنفسه العرفان ـ: (يا رب هؤلاء لم يشركوا.. وإنما رأوا تجلي
صفات كرمك في فراحوا يعبدونني.. فلذلك لم يكن يعبدونني أنا، بل كانوا يعبدونك أنت)