اسم الکتاب : التنويريون والمؤامرة على الإسلام المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 156
حينما
يتجاوز التسامح حدوده
التسامح خلق
نبيل دال على رؤية سليمة لحقائق الوجود، ودور الإنسان فيه، وكون الأمر لله في خلقه
من قبل ومن بعد.. ولذلك كان رسل الله وورثة الأنبياء عليهم السلام أكثر الناس
تحققا بهذا الخلق؛ فهم أكثر الناس سعة صدر، ولين طباع.
ولكن مع ذلك،
فإن التسامح له حدوده التي لا يصح أن يتجاوزها، مثله مثل سائر الأخلاق المحصنة
بجداري العدل والحكمة..
فمن التسامح ألا
نؤذي أصحاب أي دين كان، ولا أن نتدخل في خصوصياتهم، ولا أن نهدم معابدهم، أو نتكبر
عليهم بأي لون من ألوان التكبر.. بل نحن مطالبون عكس ذلك بتأليف قلوبهم ومراعاة
مشاعرهم، وعدم التعرض لمقدساتهم بالشتم أو السب أو الإساءة.
وقد علمنا الله
ذلك مع أشد الناس كفرا، فقال: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام:
108]، فالله تعالى لم يكتف بالنهي عن سبهم، وإنما راح يبرر سبهم في حال حصوله
بكونه استفزازا، وعن غير علم.
هذا هو التسامح
المشروع، والذي مثله رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
أحسن تمثيل، سواء مع من جاوره من اليهود، أو مع أولئك النصارى الذين وفدوا إليه من
نجران.. فقد أنزلهم في المسجد، ولما حانت وقت صلاتهم تركهم يصلون في المسجد،
فكانوا يصلون في جانب منه[1]، وعندما حاورهم طبق في حواره لهم ما أمرنا الله
تعالى به في قوله: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا