فهذه الآية الكريمة تنص على أن اليهود كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا
الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، وقد نقل لنا
المؤرخون ـ بالأسانيد الصحيحة ـ أقوالهم الدالة على ذلك.. فقد كانوا يقولون: إنه
سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم.
وقد نقل بعضهم شهادة عنه في ذلك، فقال: فينا والله، وفيهم ـ يعني في الأنصاروفي
اليهود الذين كانوا جيرانهم ـ نزلت هذه الآية ـ يقصد الاية السابقة ـ كنا قد
علوناهم دهرًا في الجاهلية، ونحن أهل شرك، وهم أهل كتاب، فكانوا يقولون: (إن نبيًا
من الأنبياء يبعث الآن نتبعه، قد أظل زمانه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم)، فلما بعث
الله رسوله من قريش واتبعناه كفروا به.. فذلك قوله تعالى:﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ
مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾(النساء: 155)
وقد ذكر المؤرخون بعض المحاجة التي أقامها أهل المدينة على جيرانهم من
اليهود، فذكروا أن معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن مَعْرُور، قالا: (يامعشر يهود،
اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد a ونحن أهل شرك، وتخبروننا بأنه
مبعوث، وتصفُونه لنا بصفته)، فقال سَلام بن مِشْكم أخو بني النضير: (ما جاءنا بشيء
نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله في ذلك من قولهم:﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ
كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ
اسم الکتاب : التنويريون والمؤامرة على الإسلام المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 122