من القصص التي لها تأثير عرفاني وسلوكي كبير في القرآن الكريم قصة آدم عليه
السلام، ورفض إبليس السجود له، وتوعده بإخراجه من الجنة، وتوعده بإضلال ذريته..
فتلك القصة تعيدنا إلى حقيقتنا، وسر هبوطنا إلى الأرض، وسر العدو الأكبر
الذي يتربص بنا، ويريدنا ألا نعود إلى الجنة التي خرجنا منها..
وللأسف فإننا كثيرا ما ننسى هذه القصة رغم ورودها مرارا في القرآن الكريم،
وننسى معها إبليس، وننسى معها وعيده، وننسى معها الجنة التي خرجنا منها، ووعدنا
الله أن نعود إليها، وتوعدنا إن انضممنا إلى حلف إبليس أن نحشر معه، ونلعن معه..
لأننا وضعنا قصصا أخرى، وأعداء جددا، وأعطينا إبليس الكثير من الحق من حيث لا نشعر
حين اعتبرنا السجود ومعه كل سلوك تعظيمي نوجهه لأولياء الله شركا وضلالا وكفرا..
والأخطر من ذلك كله هو أننا نسينا في خضم ذلك الجدل الكبير الذي ملأ حياتنا
بالعبث أننا يمكن أن نتحول إلى أبالسة صغارا أو كبارا.. لأن الإبليسية لا تقتصر
على فرد من أفراد الجن عارض ذات يومه ربه العظيم.. وإنما الإبليسية سلوك ينبع من
أمراض باطنية خطيرة تنطلق من إلغاء الآخر والتكبر عليه وممارسة كل أنواع الأذى له.
فجريمة إبليس الكبرى لا تكمن فقط في ذلك الموقف الذي وقفه يوم طلب الله
تعالى منه السجود لآدم، وإنما تكمن في تلك النفسية المستكبرة المستعلية الحاقدة
التي فضحها يوم السجود، وأخرج ما في سرائرها من أنواع الحقد والكبر والاستعلاء.
جريمة إبليس الكبرى هي مقولته الخطيرة: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، والتي
تمثل الاستعلاء في أعلى درجاته.. ذلك أن الذي يحدد الخيرية هو الله.. وليس لأحد من
الناس أي كان أن يطغى ويستعلي، ويقول لغيره: أنا خير منك.. وإلا كان مصيره مصيره
إبليس.. بل هو في الحقيقة ليس سوى جندي من جنوده،