اسم الکتاب : التراث السلفي تحت المجهر المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 372
اعتماد أهل
السنة على الرأي العام في مقاومتهم للفلسفة اليونانية ورجالها، هو وسيلة فعالة مكنتهم من إيجاد رقابة شعبية داخلية، كان العلماء من ورائها. لكن
استخدامهم –أي العلماء – للعوام في التصدي للفلاسفة هو
أمر محفوف بالمخاطر، سلبياته أكثر من إيجابياته، فما دخل العوام فيما يجري بين أهل العلم؟، وأية معرفة لهم بقضايا العلم ومداخله؟، وأية معرفة لهم بحدود الحق والباطل؟، وهل كل من درس الفلسفة وأظهر بعض أفكارها هو ضال
زنديق يجب قتله وإحراقه؟، وهل يستطيع العوام التمييز بين الفيلسوف
المسلم الملتزم والفيلسوف الضال؟،
لاشك أن العوام ليس في
مقدورهم القيام بكل ذلك، لذا كان من الواجب تحجيم دورهم، ووضع حدود لتصرفاتهم، على
أن تكون تحت توجيه وإشراف من العلماء والسلاطين إذا ما احتاجوا إليهم، على أن يتولى العلماء مناظرة المتهمين بالانحراف عن
الدين، واستتابتهم وإقامة الحجة عليهم، ثم تُنفذ الأحكام الشرعية
بعدالة بعد ذلك بيد السلطان لا العوام)[1]
2 ـ موقف المتأخرين من العلوم الكونية:
لا يختلف
موقف المتأخرين من السلفية عن موقف المتقدمين، بل
ربما يكون زاد عليهم، باعتبار الفتوح العلمية الكثيرة التي حصلت
في هذا العصر، والتي جعلتهم يسرعون لإحياء سنة الرد
عليها اقتداء بسلفهم الصالح،
خاصة وأن هذه العلوم تصيب
تصوراتهم عن الكون التي ورثوها عن سلفهم في المقاتل.
بل إنها لا
تصيب ما ورثوه عن سلفهم من علوم ومعارف فقط، بل
تصيب عقائدهم الكبرى، وخاصة عقيدة الجهة التي يعتبرونها أصل
العقائد وأسها، ولا يعطلها إلا جهمي.. وقد صار البشر جميعا الآن جهمية بسبب تعطل هذه الصفة
بحسب ما يقتضيه