اسم الکتاب : السلفية والوثنية المقدسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 93
وفي دعاء آخر يقول (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) بشوق روحي عظيم: (اللهم اعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك،
وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك )[1]
وقد حكى الغزالي من باب الإشارة ما فهمه بعض العارفين من هذا الدعاء،
فقال: (ومثاله فهم بعض أرباب القلوب من قوله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) في سجوده: (أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك،
لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، أنه قيل له (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) اسجد واقترب فوجد القرب في السجود فنظر إلى الصفات فاستعاذ ببعضها من بعض
فإن الرضا والسخط وصفان ثم زاد قربه فاندرج القرب الأول فيه فرقي إلى الذات، فقال
أعوذ بك منك ثم زاد قربه بما استحيا به من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى
الثناء فأثنى بقوله لا أحصي ثناء عليك ثم علم أن ذلك قصور فقال أنت كما أثنيت على
نفسك)[2]
وهذه الإشارة العرفانية تدل على الحقيقة التي ذكرها القرآن الكريم بصيغ
مختلفة، ومنها قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾
[النجم: 42]، وقوله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50]
فالغاية من الخلق هي الرحلة إلى الله .. وهي رحلة لا تنتهي .. والحادي
لها أشواق لا تنتهي، وحيرة لا تنتهي، كما عبر عن ذلك الشاعر العاشق، فقال:
زدني بفرط الحب فيك تحيُّرا وارحم
حشى بلظى هواك تسعَّرَا
وقد عبر العارفون على هذه الحقيقة الذوقية العظيمة، واعتبروها النهاية
التي لا تنتهي، يقول أحدهم، وهو أبو نصر السراج الطوسي في كتابه (اللمع): (والحيرة
بديهة ترد على
[1] رواه أَحمد (1/ 96 و 18 أو 150)، وأبو داود (1427)، والنسائي (3/
248 - 249)، وابن ماجه (1179)