اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 239
هو وأمثاله
من المكلّفين المسؤولين.
وفي رأي هذا
الشّخص أنّ المسؤول عن التّأخير هو نفسه، لا أنظمة البلد وتشكيلاته، وكلّ نقصٍ
موجود جاء من عدم قيامه هو وأمثاله بواجباتهم ومسؤوليّاتهم. وبالطّبع، فإنّ هذه
الفكرة تحرّك فيه الغيرة، وتدفعه إلى الحركة بالتّفاؤل والأمل.
لكنّ الشّخص
الذي لا إيمان له في عالم الوجود يشبه شخصًا يعيش في بلد يعتبر قوانين البلد
وتشكيلاته ومؤسّساته فاسدة وظالمة، ولا بدّ له من قبولها، فباطن مثل هذا الشّخص
مليء بالعقد والحقد، ولا يفكّر بإصلاح نفسه أبدًا، بل يفكّر أنّه لمّا كانت الأرض
والسّماء على غير تمهيد، فسائر أنحاء الوجود ظلمٌ وجور وخطأ، وأيّ أثرٍ لصواب ذرّة
مثلي؟! ومثل هذا الشّخص لا يلتذّ بالعالم أبدًا. والعالم بالنّسبة إليه كالسّجن
الرّهيب، ولهذا يقول القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]
وقد عبر بديع الزمان النورسي عن هذا المعنى بواقعة قارن فيها بين الرؤية الإيمانية للوجود،
والرؤية الملحدة، فقال: (لقد رأيت في واقعة خيالية أن هناك طودين شامخين متقابلين
نصب على قمتيهما جسر عظيم مدهش، وتحته واد عميق سحيق، وأنا واقف على ذلك الجسر
والدنيا يخيم عليها ظلام كثيف من كل جانب، فلا يكاد يرى منها شيء، فنظرت إلى يميني
فوجدت مقبرة ضخمة تحت جنح ظلمات لا نهاية لها.. ثم نظرت إلى طرفي الأيسر فكأني
وجدت أمواج ظلمات عاتية تتدافع فيها الدواهي المذهلة والفواجع العظيمة وكأنها
تتأهب للانقضاض. ونظرت إلى أسفل الجسر فتراءت لعيني هوة عميقة لا قرار لها.. كنت
لا أملك سوى مصباح يدوي خافت النور، أمام كل هذا الهدير العظيم من الظلمات،
فاستخدمته فبدأ لي وضع رهيب، إذ رأيت أسوداً وضواري ووحوشاً وأشباحاً في كل مكان،
حتى في نهايات وأطراف الجسر، فتمنيت أن لم أكن أملك هذا المصباح الذي كشف لي كل
اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 239