فقد اعتبر نوح عليه
السلام ما واجهه قومه به من الاستهزاء والسخرية شبهة تحتاج إلى إجابة، فراح يجب
عليها بكل ما أوتي من حجج، وهو مع ذلك لا يزال يخاطبهم بحميمية، يقول لهم:(ياقوم) ينسبهم
إليه، وينسب نفسه إليهم، ويتلطف في توجيه أنظارهم، ولمس وجدانهم.
وبعد هذه
الإجابات القوية الهادئة، وبعد يأس قوم نوح من مناهضة الحجة بالحجة؛ إذا هم يتركون
الجدل إلى التحدي، ويحولون الحوار الهادئ إلى بركان غضب فائر ﴿ قَالُواْ
يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا
إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ (هود:32)
لكن نوحا عليه
السلام لا يخرجه هذا التكذيب والتحدي عن سمت النبي الكريم، ولا يقعده عن بيان الحق
لهم، وهي أنه ليس سوى رسول، وليس عليه إلا البلاغ، أما العذاب فمن أمر الله، وهو
الذي يدبر الأمر كله، ويقدر المصلحة في تعجيل العذاب أو تأجيله، فيظل يكشف لهم عن
الحق حتى اللحظة الأخيرة، لا يقعده عن إبلاغه وبيانه أن القوم يكذبونه ويتحدونه،
قال تعالى:﴿ قَالَ
إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ وَلاَ
يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ
أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (هود:33 ـ 34)
بل إن نوحا عليه
السلام لم يتوقف عن الحوار حتى أوحي إليه بأن يتوقف واستيأس من إجابتهم، بل بقي في
آخر لحظة يدعو ابنه إلى الله، قال تعالى:﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن
اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 17