بعد أن انتهى
الرجل الأول حديثه، قام آخر، وقال: أظن أن الدور وصل إلي، وسأحدثكم ـ أنا العبد الفقير
إلى الله ـ عن فضل الله علي بالهداية، وإخراجي من ظلمات الجهل والغواية، وكيف
أنقذني ربي من جحيم الملاحدة.. وزج بي في روضات جنات المؤمنين.
قالوا جميعا:
يسرنا ذلك.. فهلم حدثنا بنعمة الله عليك.. فلا نعمة أفضل من الهداية.. ولا سعادة
أعظم من إذن الله لعبده بالتواصل معه.
قال: في ذلك
الزمان الذي كنت أتيه فيه بعقلي على كل شيء، كان لي الكثير من الأصدقاء الفلاسفة
الذين زينوا لي أنه حتى لو قلنا بمبدأ العلية، وأنه لا سبب إلا ويقف وراءه مسبب،
فإننا مع ذلك لا نحتاج إلى القول بضرورة وجود إله.. لأن الكون قديم قدما أزليا[1].. ولذلك لن يحتاج لمن يوجده.
وقد كانوا يذكرون
لي ـ ليملأوني بالانبهار ـ أسماء الكثير من كبار الفلاسفة والعلماء في كل العصور..
ويذكرون لي معها جدلهم مع خصومهم، وكيف استطاعوا أن ينتصروا عليهم بالحجج
والبراهين الدامغة.
وكنت مستسلما
لكل ذلك، مع أنه لم يكن لدي أي علم قطعي بحقيقة الأمر.. لأن مداركي العقلية
والعلمية لم يتح لها ذلك.. فلذلك اكتفيت بالتقليد.. وكان هو المرحلة
[1] القدم: أو الوصف بالقديم تعني عند الفلاسفة
والمتكلمين ما ليس له أوّل البتّة. فكلّ موجود لم يسبقه عدم البتّة، أو كلّ موجود
خلا بتاتا من حال لم يكن موجودا ثمّ كان، سمّوه قديما. وكلّ موجود كان له أوّل أو
سُبِقَ بعدم، فمهما امتدّ في الماضي ولو كانت مدّته آلاف آلاف السّنين، فهو ليس
بقديم، بل إنّه حادث.
اسم الکتاب : الهاربون من جحيم الإلحاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 36