اسم الکتاب : الهاربون من جحيم الإلحاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 338
وقد كان أول ما
دعاني إلى هذا النوع من التفكير أني كنت أشاهد في يوم من الأيام شريطا وثائقيا عن ثعبان
الماء[1]،
وكيف يقطع آلاف الأميال في المحيط، قاصدا الأعماق السحيقة جنوب برمودا حيث يلتقي
ثعابين الماء من كل أنحاء العالم، وهناك تبيض وتموت، أما صغارها التي لا تملك
وسيلة تتعرف بها على أي شيء، سوى أنها في مياه قفرة، فإنها تعود أدراجها، وتجد
طريقها إلى الشاطئ الذي جاءت منه أمهاتها.. ومن ثم إلى كل نهر أو بركة صغيرة.. وقد
ملأني هذا بالعجب، فكيف اهتدت تلك الصغار إلى محالها بدقة عالية، لو لم تكن هناك
هداية خاصة، هي التي أرتها الطريق، وهي التي أوصلتها إليها.
وهكذا رأيت الجراد
البالغ من العمر سبعة عشر عاما في ولاية نيوانكلاند. يغادر شقوقه تحت الأرض حيث
عاش في ظلام مع تغير طفيف في درجة الحرارة، ويظهر بالملايين في 24 مايو من السنة
السابعة عشرة تماما.. بحيث يضبط مواعيده للظهور في اليوم تقريبا بهداية يعجز عنها
الإنسان لولا أنه يستعمل التقويم.
وهكذا رأيت في
الإنسان من دلائل الهداية ما ملأني بالعجب.. فقد رأيت كيف تنمو الغدد التي تصنع
اللبن أثناء الحمل، يدفعها إلى هذا النمو مواد يفرزها المبيضان، وفي نهاية الحمل
وبدء الوضع، تتلقى هذه الغدد النخامية الموجودة في قاعدة الجمجمة أمرا بالبدء في
صنع اللبن، وما يكاد الطفل يولد حتى يبحث عن ثدي أمه بهداية لا حد لها، وعملية
الرضاعة عملية شاقة، إذ أنها تقتضي انقباضات متوالية في عضلات وجه الرضيع ولسانه
وعنقه، وحركات متواصلة في فكه الأسفل، وتنفسا من أنفه، ويقوم الطفل بهذا كله بهداية
تامة من أول رضعة لساعة فطامه.. وقد ذكر لي بعض المختصين في هذا أن الرجل نفسه لا
يستطيع أن يقوم بعملية الرضاع كما يقوم بها الطفل الذي لا يتجاوز عمره ساعات.