اسم الکتاب : الهاربون من جحيم الإلحاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 241
وهذه المعارف
إذا انصبغ بها كيان الإنسان وتوحد قلبه عند النظر للكون أو التعامل معه هو الكفيل
الوحيد بتحقيق الراحة والسعادة والطمأنينة، لأن مصدر القلق والاضطراب هو الشتات
الذي يحصل في الإنسان نتيجة رؤية الأشياء قائمة بذاتها، فتتوزع في نفسه الرغبة
منها أو الرهبة، وهي متناقضة مختلفة، فيحصل فيه من التناقض بحسب ما في الأشياء من
تناقض.. أما إذا رآها جميعا بيد الله، فإن قلبه يتوحد مع الله.
وهكذا فإن من
نتائج هذه النظرة السامية: اللجوء إلى الله لا إلى الكون، وطلب الأشياء من الله لا
من الأشياء، فالله هو المتصرف لا الأشياء.. ومن الحماقة أن نترك الآمر ونتوجه إلى
المأمور، وقد ذكر بعض علمائنا مثالا يبين تهافت الذين ينسبون الأشياء إلى ما
يتوهمونه، ثم يلجؤون إليه بضراعة والرجاء بقوله:(فالتفات العبد في النجاة إلى
الريح يضاهي التفات من أخذ لتحز رقبته فكتب الملك توقيعاً بالعفو عنه وتخليته،
فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد والقلم الذي به كتب التوقيع يقول: لولا القلم لما
تخلصت، فيرى نجاته من القلم لا من محرّك القلم وهو غاية الجهل)[1]
ومن نتائج تلك النظرة السامية شعورنا بأن
كل النعم المسخرة في الكون هي من فضل الله علينا، وهي نظرة تخالف نظرة المادي الجاحد
لله، الذي يمتلئ كبرا وغرورا، فيتصور أنه مصارع عنيف، فلذلك يفرض وجوده على هذه
الأرض بجهده وحيلته وقوته، ويقول ـ كما عبر القرآن الكريم على لسان قارون
ـ:﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ (القصص: 78) فلذلك
رد عليه تعالى مكملا:﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ
قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً
وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ (القصص: 78) فهل علمه من
القصور ما جعله لا يمتد إلى معرفة مصاير القرى الهالكة، ليرى أسباب هلاكها؟