responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 53

فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات العقلية وقدح في العقول والفطر.

قلت له: لا شك أنك تؤمن بأن العالم العلوي .. أي عالم الملائكة .. ليس فيه شر.. فلم لا يكون عالمنا كذلك؟

قال لي: يلزمك في هذه الحالة أن تثبت أن الخير المجرد أعظم وأفضل من الخير الممزوج بالشر، وهذا صعب جدًا، بل مستحيل في حقيقة الأمر، وعقيدة المؤمن أن الله يسمح بالشر في هذا العالم لأجل تحصيل الخير الناتج عنه أو المترتب عليه شريطة أن تكون المحصلة العامة هي زيادة الخير على الشر بقدر أكبر من القدر الذي يمكن تحصيله من الخير البحت، وأن في وجود الشر من المصالح والمنافع والخيرات ما يبرر وقوعه [1].

كان لكلامه من القوة والحجة ما لم أملك أي سبيل لدفعه أو للرد عليه، لكني بعد أن رجعت إلى نفسي وشياطيني رحت أثير شبها أخرى لأهرب من الإيمان.. لقد رحت أصيح: (هل وجد إله أغرب وأبعد عن التصديق من هذا؟ أنه لآلاف السنين ظل مختفياً عن أعين البشر، وأستمع دون استجابة واضحة بريئة لصلوات آلاف الملايين ودعواتهم وثنائهم عليه. والمفروض أنه حكيم بالغ الحكمة، ولكن ملكه يسوده الخلل والاضطراب والخراب. والمفروض أنه خير ولكنه يعاقب شيطان مجرد من الروح الإنسانية. والمفروض أنه عادل وهو يهيئ للأشرار سبل الرخاء والازدهار، على حين يتعذب القديسون حتى الموت. إنه منهمك دائماً في الخلق والتدمير)[2]

وهكذا رحت أطالب الله بأن يرني نفسه حتى أؤمن به.. وهذا من المستحيلات التي يدل عليها العقل.. فالله يستحيل أن يرى لأنه ليس جسما، ولا محدودا، وليس له مكان ولا محل.. وكيف يمكن أن يرى أو يدرك أو تحيط به الحواس؟


[1] ابن القيم، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ص414، فما بعدها.

[2] نقلا عن: قصة الحضارة.

اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 53
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست