اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 136
وعندما أعود إلى بيتي، وأتذكر كل
الكلام الذي قلته.. أصفع وجهي.. وأضرب رأسي على الجدار جراء تلك السخافات التي كنت
أرددها.. لأنه إن كان الله موجودا، فله أن يفعل في ملكه ما يشاء.. له أن يطرد من
يشاء، ويبقي من يشاء.. وليس لي الحق في أن أفرض عليه سلوك والدي، ولا أحد من
الناس.
ومن أدراني أن الذي أقام حفلة بسيطة
هنا، يمكنه أن يقيم حفلة أجمل منها هناك.. وأنه إن رأى في بعض الناس أدبا واحتراما
وخلقا رفيعا، قال لهم: حفلتكم هناك أفضل وأكرم.. فارحلوا إليها، واستأنسوا بها أبد
الآباد.
وإن رأى في بعضهم سوء أدب وانحرافا
عن حقيقتهم طردهم من هذه الحفلة، وطردهم من تلك الحفلة أيضا.. فالملك له، وهو
العادل الذي يفعل ما يشاء.
ثم من
الذي قال: إن كل من كان قادرا على فعل شيء يحبه أولئك الذين يخضعون لسلطانه، تعين عليه أن يفعله
مطلقا؟.. من
أين جاء ذاك الوجوب وبأي قاعدة أخلاقية أطلقه؟ ثم
من ذا الذي قال: إن خالقك هو أبوك الذي عليه أن يرعاك رعاية الأب لولده، لا رعاية الإله لعبده؟
سكت قليلا، ثم قال: إن كلامي ذلك لم يكن
إلا تعبيرا ساخرا لمشكلة الشر التي رددها الجميع منذ أبيقور إلى آخر ملحد في
الدنيا.. إنهم يرددون قوله: (لماذا خلقنا، أما كان خيرا
لنا أن يتركنا في العدم ولا يكلفنا بشيء أصلا؟.. أما كان
خيرا لنا أن يخلقنا في نعيم أبدي سرمدي ولا يسلط بعضنا على بعض ولا يبتلينا بشيء
البتة؟..
لماذا علينا أن نقبل منه أن يرسل إلينا رسلا يكلفوننا
بعبادته والخضوع التام لسلطانه المطلق ونحن لا نراه؟)
إلى آخر تلك الاعتراضات التي ينطلق منها
كل فلاسفة الإلحاد، ويلبسونها لباس الدليل المنطقي أو العقلي ليلبسوا بها على
الناس.
والعجب أني في مواقفي من البشر كنت أكثر
سلاسة وتقديرا لسلوكاتهم الحازمة..
اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 136