اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 100
قلت في ذلك في بعض كتبي: (لو كان أبي
حيًا لكان تمدَّد عليَّ بملء قامته وسحقني، ولحسن حظي مات أبي عندما كنت صغيرًا.. إن
موت جان باتسيت (والده) كان الحدث الأهم في حياتي، لقد أعاد إليَّ حريتي)[1]
لذلك كنت أنظر بعين الريبة حتى للذين
يبدون لي مودتهم ومحبتهم، وقد كنت أقول: (إننا منذ الآونة التي نشعر فيها بأن
إنسانًا آخر ينظر إلينا، إنما نشعر أيضًا بأن الآخر يسلبنا عالمنا على نحو من
الأنحاء، هذا العالم الذي كنا نمتلكه وحدنا حتى هذه اللحظة).. وكنت أقول: (إنني
ابتداءً من الآونة التي أشعر فيها أن أحدًا ينظر إليّ، أشعر أنني سلبت عن طريق نظر
الآخر الموجه إليّ وإلى العالم، إنّ العلاقة بيننا وبين الآخرين هي التي تخلق
شقاءنا) [2]،
بل كنت أعبر عن ذلك بعبارة فجة غليظة، فأقول: (إن الآخرين هم الجحيم)
أظن أنكم فهمتم سر إلحادي.. إنه البحث عن
الحرية.. لأنني اكتشفت أنها الوسيلة الوحيدة التي أستطيع أن أشكل بها ذاتي وماهيتي
وحقيقتي..
والحرية التي كنت ألهث وراءها لا تختلف
عن هذا السراب الذي نراه كل حين، ثم نلهث خلفه، ثم نكتشف أنه لا شيء.. مجرد سراب.
لقد جعلتني تصوراتي للحرية أتصور الوجود
وجودا سخيفا بلا غاية.. وجودا في عالم لا معقول.. والإنسان فيه لا يعرف من أين أتى،
ولا إلى أين هو ذاهب، فهو بمثابة لقيط في مكان موحش، هو الطبيعة، لا يجد حوله أبًا
ولا أمًا، وليس له ما يعتمد عليه إلا نفسه، وكل ما يعرفه عن وجوده هو أنه محكوم
ومُسيَّر..
ولذلك كنت أرى أنه لا فرق بين الإنسان
الذي يحكمه الجبر وتسوقه الطبيعة، وبين الحيوان إلا في شيء واحد هو الإرادة
العاقلة.. والإرادة العاقلة لا تتحقق إلا إذا اكتملت