اسم الکتاب : رسائل إلى الله المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 105
رآهم يرفعون أصواتهم بالدعاء: (أيها الناس!
أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً
قريباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) [1]
يا رب.. إنا وإن كنا مسلمين لكلماتك المقدسة
في ذلك التصديق، إلا أن الكلمات التي أودعتها في عقولنا وفطرنا دعتنا إلى ذلك كما
دعتنا إليها كل كلماتك المقدسة التي أنزلتها على أنبيائك.. فعدم قربك يعني بعدك..
وبعدك يعني انحصارك وحدودك.. وانحصارك وحدودك في عالم الأجسام والقيود، يجعلك
متعددا، أو قابلا للتعدد.. فكل محدود معدود.. وكل من حصره المكان يمكن أن يكون معه
ثان.
يا رب.. وقد جعلت فطرنا تسلم لذلك وتفرح به..
ولا تسأل عن كيفيته.. فأنت صاحب الغيب المطلق.. والذي يريد أن يتصورك أو يتخيلك أو
يتوهمك يقع في فخاخ القياس والتشبيه، ويجعلك مثل خلقك، ويحكم عليك بمثل أحكامه
عليهم.. فيفرض عليك القوانين التي فرضتها عليهم.. ويلزمك بالصفات التي جعلتها لهم.
يا رب.. كل من رام البحث في ذاتك وقع في
الوهم.. وسيطر عليه الهوى.. لأنه كالأعمى الأصم البصير المسجون في قعر الأرض،
والمحاط بجميع الظلمات، ومع ذلك يتجرأ في وصف الأكوان والمجرات، والكون المرئي
والكون المحجوب.
أو كذلك التلميذ البليد الكسول الذي لم يجاوز
مرحلته الابتدائية، وهو يريد أن يفهم أعقد القضايا الفلسفية، ويحل أصعب المعادلات
الرياضية.
والأمر بالنسبة لك أشد.. فلا مقارنة بينك وبين
خلقك.. ولا شبه بينك وبينهم