اسم الکتاب : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية المؤلف : سليمان الأشقر، محمد الجزء : 1 صفحة : 350
واحتجوا على القائلين بالمساواة، بأنهم أجازوا التأسي فيما لا يعلم وجهه، بأن يفعل على طريق الندب، أو على طريق الإباحة. وهذا عندهم يدل على أن التأسي لا يشترط فيه معرفة حكم الفعل.
كشف أمر هذه الشبهة:
ونحن نقول، وبالله التوفيق: إن كلًا من القائلين بالندب والقائلين
بالوجوب، قد شط، والذي يقتضيه ما أورده أن الائتساء والاتباع الموافقة في
الأفعال، كما فسره أهل اللغة. والموافقة المساواة من جميع الوجوه.
فإذا علمناه - صلى الله عليه وسلم - عمل عملاً على وجه الوجوب لا نكون وافقناه بعملنا إياه على وجه الندب، إذ إن هذه مخالفة حقيقية، فلا تتحقّق الأسوة.
وكذلك عكسه، فإن علمناه قد فعل الفعل ندباً فمن المخالفة له أن نفعله على وجه الوجوب ونتخذه علينا واجباً، وكذلك لو علمناه فعل ما فعل على وجه الإباحة يكون من الخطأ اعتبار ذلك قربة والتقرب إلى الله تعالى به وجوباً، أو ندباً. إذ إن ذلك نوع من الابتداع.
أما إذا لم نعلمه فعله ندباً أو وجوباً أو إباحة فإن صفة الفعل لا تكون عندنا أمراً ظاهراً، وليس لنا حينئذ إلا العمل بالظن، وهو حمل القُرُبات على الندب، والتأسي به فيها، وحمل ما عداها على الإباحة.
والحاصل أن الأولى أن يقال: التساوي في الحكم في الفعل المعلوم الصفة واجب، لأن ذلك ظاهر في الفعل، وتركه مخالفة. وأما مجهولها فيعمل بقول الندب في القربة، وبالإباحة فيما عداها، وهذا هو عين قول التساوي كما يأتي إن شاء الله.
وأما ما نقلوه من قول الخنساء، فإن التسلّي عن أخيها لا يدخلها في أغراضه الوجوب أو الندب، حتى يحتّج به في هذه المسألة، أما بالنسبة إلى أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن التقرب على سبيل الوجوب، أو الندب، أو فعلها على سبيل الإباحة من أهمّ الأغراض فيه، فلا بدّ من اعتباره.
شبهة ثانية: وقد اعترض بها الفخر الرازي في (المعالم)، وهو يقول فيه
اسم الکتاب : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية المؤلف : سليمان الأشقر، محمد الجزء : 1 صفحة : 350