اسم الکتاب : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية المؤلف : سليمان الأشقر، محمد الجزء : 1 صفحة : 128
ومعلوم أن استثناءه الإذْخِر لم يكن إلاّ من تلقاء نفسه، لعلمنا بأنه يوح إليه تلك اللحظة.
وقد نوقش الاستدلال بهذه الواقعة، باحتمال أن يكون جاءه الوحي باستثناء الإذْخِر، بوحيٍ كلمح البصر.
3 - ومما يجوز أن يحتج به لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد همَمْتُ أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك، فلا يضرّ أولادهم" [1].
فظاهرٌ أنه عندما همّ أن ينهى عن ذلك، لم يكن نهيه لأجل وحي أتاه بذلك، بل لمجرد أنه يرى في ذلك مصلحة، وأنه امتنع من النهي عن ذلك عندما علم أن أقواماً يفعلونه ثم لا يقَع عليهم منه ضرر.
4 - واحتجوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" [2]. وهو صريح في أن الأمر بالسّواك، وعدمه، مفوّض إليه، لأن مثل هذا القول لا يصدر إلاّ عمن كان الأمر بيده.
ومثل ذلك ما في صحيح مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالحجّ فقال رجل أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم. ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" [3]. ولولا أن الأمر مفوّض إليه لما كان هذا الخطر محتمَلاً، لأن الوحي لا يعجل لعجلة أحد من الناس.
ومثله أيضاً ما في سيرة ابن هشام، أنه - صلى الله عليه وسلم - قتل النضر بن الحارث في الأسر بعد وقعة بدر، فقالت أخته قُتَيْلَة أبياتاً تعاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول منها:
ما كان ضَرَّك لو مننتَ وربّما ... منَّ الفتى وهو المَغيظُ المُحَنَّقُ
فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته". فلو لم يكن القتل وعدمه مفوضاً إليه، لكان سماعه لهذا الشعر، وعدم سماعه له، سواء. [1] مالك ومسلم وأحمد والأربعة (الفتح الكبير). [2] رواه السبعة (الفتح الكبير). [3] صحيح مسلم 8/ 101 ورواه البخاري.
اسم الکتاب : أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ودلالتها على الأحكام الشرعية المؤلف : سليمان الأشقر، محمد الجزء : 1 صفحة : 128