اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 89
الرأي حيث قال فيما سبق: «فَوَقَعَ التَّخْرِيجُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ وَكَثُرَ» وكما يقول في بيان أصول أهل الحديث: «وَكَانَ أَهْلُ التَّخْرِيجِ مِنْهُمْ يُخْرِجُونَ فِيمَا لَا يَجِدُونَهُ مُصَرَّحًا، وَمُجْتَهِدُونَ فِي المَذْهَبِ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ لَا يُنْسَبُونَ إِلَى مَذْهَبِ أَحَدِهِمْ، فَيُقَالُ فُلَانٌ شَافِعِيٌّ، وَفُلَانٌ حَنَفِيٌّ» [1]، وبذلك كان ينبغي له أن يشير إلى أنّ المَذَاهِبَ السُّنِّيَّةَ ليس بينها خلافات جوهرية «فَأُصُولُهَا جَمِيعًا وَاحِدَةٌ، وَخِطَّةُ الاِسْتِنْبَاطِ فِيهَا لَا تَخْتَلِفُ اِخْتِلَافًا يُؤَدِّي إِلَى اِعْتِنَاقِ بَعْضِهَا وَنَبْذِ بَعْضِهَا الآخَرِ، وَفِي أَحْكَامِهَا جَمِيعًا مَا فِيهِ يُسْرٌ وَتَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ وَمَا بِهِ شِدَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَكُلُّهَا قَامَتْ عَلَى مُسَايَرَةِ التَّطَوُّرِ مَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى صَلَاحِ النَّاسِ» [2].
إن اعتبار الدهلوي أبا حنيفة مِنَ المُخَرِّجِينَ، وَعَدِّهِ من أهل الرأي لذلك، هو اعتبار ينقصه الدليل، إذ يلزم أن يثبت أن المعاصرين لأبي حنيفة كانوا يصفونه بالرأي لذلك، مع ما سبق من قول الأوزاعي أنه لا ينكر الرأي على أبي حنيفة، وإنما ينكره عليه تركه للحديث.
وفي رأيي أن التقسيم الذي نبذه الدهلوي والذي يقسم المجتهدين إلى قسمين: هما أهل الظاهر وأهل الرأي، كان يمكن أن يكون أقرب التقسيمات إلى الواقع في القرن الثالث، لو لم يظهر في هذا القرن مَذْهَبُ المُحَدِّثِينَ، إذ ليس بين المذاهب الأربعة خلاف يرجع إلى الأصل والأساس، كما سبق وإنما هو خلاف يرجع إلى الفهم والوزن والتقدير كخلاف أصحاب المذهب الواحد، فخلاف أبي حنيفة مع أصحابه لا يختلف في وسائله وأسبابه عن خلافه مع الشافعي أو خلافه مع مالك إذا ما دققنا النظر وحققنا أسباب الخلاف، والشافعي بدوره كان تابعًا لمالك في بداية أمره، ثم لم ينفصل عنه [1] انظر " حجة الله البالغة ": 1/ 321.
(2) " محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء "، للأستاذ علي الخفيف: ص 268.
اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 89