اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 519
خالف أبو حنيفة الجمهور في هذه المسألة، وسبب الخلاف وجود حديثين متعارضين، أحدهما خاص، يوجب الزكاة في ثمار الأرض إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق، والوسق، ستون صَاعًا، وهو الحديث المذكور هنا. وثانيهما عام يوجب العشر أو نصف العشر في كثير ما أخرجت الأرض وقليله. وكلا الحديثين صحيح.
وقد رأى أبو حنيفة أن في الحديثين تعارضًا بين العام والخاص، ودلالة العام عنده قطعية كالخاص، وإذا تعارضا قدم الأحوط وهو الوجوب، وأيد ما ذهب إليه بالعموم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]، وقوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
أما الجمهور فلم ير تعارضًا بين الحديثين، بل أحدهم يخصص الآخر، أو يفسره. وقد روى البخاري حديث «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»، ثم روى عقبه حديث «لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، ثم قال: «هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ [إِذَا] قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " وَيُؤْخَذُ أَبَدًا فِي العِلْمِ بِمَا زَادَ أَهْلُ الثَّبَتِ أَوْ بَيَّنُوا» [1].
فاختلاف وجهتي النظر في مختلف الحديث هو سبب الخلاف هنا.