اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 414
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [1].
وقد أمضى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يزيد على عشر سنوات في إرساء هذه القواعد، وتثبيت هذه الدعائم، وصرف الله سبحانه القرآن فيها تصريفًا، حتى إذا ثبتت الدعائم واستقرت الأركان، نزلت الأحكام تترى، وهي توجب أو تحرم، فوجدت آذانًا مصغية، وقلوبًا واعية وأرضًا خصبة طيبة، قد أحسن إعدادها لتقبل التشريعات الإسلامية، فما كاد يلقي فيها البذر، حتى انشق عنها الزرع، ثم بادر الطرف استواؤه ونماؤه، فكان كما وصفهم لله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} [2].
وبهذا الإعداد الجديد يتم التناسق والألفة بين المجتمع، وما يراد منه وبه، ويوجد نوع من المصالحة بين التشريعات، والبيئة المهيأة المعدة لتلقيها، وإغفال هذا الإعداد الروحي، الذي يضيء القلب، ويهذب الوجدان، ويوثق الصلة بين العبد وخالقه، ويثير الأشواق إلى الله، ويوحي بالتنافس في رضاه - يؤدي إلى انفصال المجتمع الإسلامي عن تشريعاته، ويتسبب في إيجاد هوة عميقة تفصل بين واقع الناس، وما يلقى إليهم من أحكام، فيعمدون إلى تأويلها والتحايل على إخضاعها لواقعهم. وكلما اتسعت الفجوة اشتدت الجفوة، ووهن سلطان هذه الأحكام، واستخف الناس بها، [1] [الحج: 5 - 7]. [2] [الفتح: 29].
اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 414