اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 254
لا لأن الراوي عمل به، فإنه ليس عمل أحد المجتهدين حجة على الآخر، وإن جهل مأخذه فالواجب العمل بظاهر الحديث [1].
وقد رَدَّ بعض المالكيين بناء على هذا الأصل ما روي عن عائشة مرفوعًا: «مَنْ [مَاتَ] (*) وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، لِأَنَّهَا «أَفْتَتْ بِخِلَافِهِ حِينَ سُئِلَتْ عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ»، فقالت: «يُطْعَمُ عَنْهَا». وأخرج البيهقي أَنَّهَا قَالَتْ: «لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ , وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ» [2].
وقد استنكر المحدثون هذا الاتجاه في نقد الحديث، لأن الحجة في قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يرويه الصحابي، لا في فتوى الصحابي الذي قد ينسى ما رواه، أو يجتهد فيه فيؤوله، أو تكون فتواه قبل أن يبلغه الحديث، [فإن] هذه الوجوه كلها محتملة فيما روى عنهم، لا يحل لأحد ترك كلامه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لفتيا جاءت عن صاحب مخالفة لما صح عنه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - [3].
ولكن أبا داود كان يميل إلى اتجاه الأحناف والمالكية في هذا الموضوع، فَـ «كَانَ يَرَى أَنَّ عَمَلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ يُضَعِّفُ الحَدِيثَ».: فَقَدْ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ عَطَاءٍ - عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاَةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ».
ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُدُ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلاً». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا يُضَعِّفُ ذَلِكَ الحَدِيثَ» [4].
وقد رأى بعض الأصوليين أن عمل الصحابي بخلاف ما روى لا يسقط [1] انظر " الإحكام " للآمدي: 2/ 164، 166. [2] انظر " الإحكام "، لابن حزم: 2/ 18، 19؛ وأصول التشريع للأستاذ علي حسب الله ص 54. [3] انظر " الإحكام "، لابن حزم: 2/ 12 - 21؛ و" النبذ " له: ص 36، 37؛ و" المحلى " له: 9/ 503، 5/ 39.
(4) " سنن أبي داود " بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: 1/ 245.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ / البَاحِثُ: تَوْفِيقْ بْنُ مُحَمَّدٍ القُرَيْشِي]:
(*) في الكتاب المطبوع (مَنْ بَاتَ) والصواب ما أثبته.
اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 254