اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 249
[ج] أما الحديث الغريب فيما تعم به البلوى فقد رده بعض الحنفية والمالكية [1]، لأن عدم اشتهاره مع الحاجة إليه قرينة على علة فيه، وأحسن أحواله أن يصرف عن ظاهره: فإن جاء بأمر كان للندب والاستحباب لا للوجوب، وإن جاء بنهي كان للكراهية لا للتحريم، إذ لو كان المراد به الإيجاب أو التحريم لاشتهر ذلك الحكم بين السلف، ولنقل إلينا الخبر مستفيضًا، فنقله على خلاف ذلك يدل على أنه قد ترك العمل به عند أكثر الناس، لعدم حرمة ترك العمل به [2].
أما المحدثون فلم يعتبروا هذا الشرط، لأن الأدلة التي أوجبت قبول خبر الواحد لم تفرق بين ما تعم به البلوى من الأخبار وغيرها، ولأن الراوي عدل ثقة، وذلك يغلب على الظن [صِدْقُهُ]، وكما يقبل خبره في غير ذلك يقبل أيضًا فيما تعم به البلوى.
وكان البخاري يرد على أهل الرأي في ترجمته التي يقول فيها: (بَابُ الحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُورِ الإِسْلاَمِ) [3].
وذكر الأحناف أمثلة لذلك منها: خبر مس الذكر، والجهر بالتسمية في الصلاة، وخبر رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، والوضوء مما مسته النار [4].
وقد يوافق بعض المحدثين الأحناف في عدم الأخذ ببعض هذه الأخبار ولكن مسلكهم في ذلك يختلف عن مسلك الأحناف، إذ عدم أخذهم بها [1] انظر " الإحكام "، لابن حزم: 2/ 14. [2] انظر " أسباب الاختلاف "، لأستاذنا علي الخفيف: ص 71.
(3) " البخاري بحاشية السندي ": 4/ 268، 269؛ وانظر " فتح الباري ": 13/ 270. [4] انظر " أصول السرخسي ": 1/ 368.
اسم الکتاب : الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري المؤلف : عبد المجيد محمود الجزء : 1 صفحة : 249