لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، أي: وهو تركهم التناهي، عن كل منكر فعلوه، وصراحة دلالة هذه الآية أيضًا على ما ذكر واضحة، كما ترى.
وقد دلَّت أحاديث نبويّة على ذلك؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فقد سمّى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ترك أذى المسلمين إسلامًا، ومما يدلّ من كلام العرب على أن الترك فعل قول بعض الصحابة في وقت بنائه صلى الله عليه وسلم لمسجده بالمدينة:
لئن قعدنا والنبيّ يعمل ... لذاك منّا العمل المضلل
فسمّى قعودهم عن العمل، وتركهم له عملاً مضللاً .... والصحيح أن الكفّ فعل، كما دلّ عليه الكتاب والسنّة واللغة؛ كما تقدّم إيضاحه] [1].
ثانياً: ذكر أقسام وأسباب الترك، والقاعدة التي يسير عليها الباب:
أقسام الترك:
قال الأشقر تحت عنوان: أقسام الترك، ما ملخصه: [الأول: الترك لداعي الجبلة البشرية. وهذا لا يدل في حقنا على تحريم ولا كراهة. ومثاله ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل لحم الضب، وقال: (إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه).
الثاني: الترك الذي قام دليل اختصاصه به - صلى الله عليه وسلم -، وهو تركه لما حرم عليه خاصة كتركه أكل الصدقة. وقد قال أبو شامة في الأفعال إنه يقتدي بالخصائص النبوية الواجبة، على سبيل الاستحباب.
فقياس قوله هنا أنه ينبغي أن يستفاد لحقنا كراهة ما خُصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريمه، فيكون أكل الصدقة مثلاً مكروهاً لنا.
الثالث: الترك بياناً أو امتثالاً لمجمل معلوم الحكم، عام لنا وله، فيستفاد حكم الترك من الدليل المبين والممتثل. ومثاله: تركه - صلى الله عليه وسلم - الإحلال من العمرة مع صحابته، وقال: (إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)، ومن الترك الامتثالي تركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على المنافقين لما نزل قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً}. [1] أضواء البيان (6/ 317: 320).