responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الغيث الهامع شرح جمع الجوامع المؤلف : العراقي، ولي الدين أبي زرعة    الجزء : 1  صفحة : 841
انْحِطَاطٌ عَنِ الْهِمَّةِ الْعَلِيَّةِ.
وَافْهَمْ ـ رحمك اللَّهُ ـ أَنَّ مِنْ شأَنِ العدوِّ أَنْ يأَتِيَكَ فِيمَا أَنتَ فِيهِ، فَيُحَقِّرُهُ عندَكَ؛ لِتَطْلُبَ غَيْرَ مَا أَقَامَكَ اللَّهُ فِيهِ، فَيُشَوِّشُ قَلْبَكَ ويَتَكَدَّرُ وقتُكَ/ (265/أَ/م) وذلك أَنَّهُ يأَتِي لِلْمُتَسَبِّبِينَ فَيقولُ: لو تَرَكْتُمُ الأَسبَابَ وتَجَرَّدْتُمْ لأَشرقَتْ لَكُمُ الأَنوَارُ، ولَصَفَتْ مِنْكُمُ القلوبُ وَالأَسرَارُ، وكذلك َصَنَعَ فلاَنٌ وفلاَنٌ، ويَكُونُ هذَا الْعَبْدُ لَيْسَ مقصودًا بِالتجريدِ، ولاَ طَاقةَ لَهُ بِهِ، إِنَّمَا صلاَحُهُ فِي الأَسبَابِ فَيَتْرُكُهَا فَيَتَزَلْزَلُ إِيمَانُهُ، ويَذْهَبُ إِيقَانُهُ ويَتَوَجَّهُ إِلَى الطَّلَبِ مِنَ الخلقِ، وإِلَى الاهتمَامِ بِالرزقِ، وكذلكَ يأَتَي لِلْمُتَجِرِّدِينَ ويقولُ: إِلَى مَتَى تَتْرُكُونَ الأَسبَابَ؟ أَلمْ تعلموا أَنَّ ذَلِكَ يُطْمِعُ القلوبَ لِمَا فِي أَيدي النَّاسِ، ولاَ يُمْكِنُكَ الإِيثَارُ ولاَ القيَامُ بِالحقوقِ، وعِوَضُ مَا يَكُونُ مُنْتَظَرًا مَا يَفْتَحُ بِهِ عليك؛ فَلَوْ دَخَلْتَ فِي الأَسبَابِ بَقِيَ غيرُكَ منتظِرًا مَا يَفْتَحُ عَلَيْهِ مِنْكَ، ويكونُ هذَا الْعَبْدُ قَدْ طَابَ وَقْتُهُ، وَانْبَسَطَ نورُهُ، ووَجَدَ الرَّاحةَ بِالانقطَاعِ عَنِ الخَلْقِ، ولاَ يزَالُ بِهِ حتَّى يعودَ إِلَى الأَسبَابِ فَيُصِيبُهُ كُدْرَتُهَا ويَغْشَاهُ ظُلْمَتُهَا، ويعودُ الدَّائمُ فِي سَبَبِهِ أَحسنَ حَالاً مِنْهُ، وإِنَّمَا يَقْصِدُ الشّيطَانُ بِذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ العِبَادَ الرِّضَا عَنِ اللَّهِ فِيمَا هُمْ فِيهِ، وأَنْ يُخْرِجَهُمْ عَمَّا اختَارَ لَهُمْ إِلَى مُخْتَارِهِمْ لأَنفسِهم، ومَا أَدْخَلَكَ اللَّهُ فِيهِ تَوَلَّى إِعَانَتَكَ عَلَيْهِ، ومَا دَخَلْتَ فِيهِ بِنَفْسِكَ وَكَلَكَ إِلَيْهِ، وَقُلْ: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا. انْتَهَى.
وفِيه تَنْبِيهٌ: علَى مَكِيدةٍ شَيْطَانِيَّةٍ، وهو أَنَّهُ قَدْ يَحُثَّ علَى السَّبَبِ، ويُوهِمُ لَهُ السُّنَّةَ دَاسًّا فِيهِ الرُّكُونَ إِلَيْهِ، وَاطِّرَاحِ جَانِبِ الرَّبِّ تعَالَى/ (210/أَ/د) وَقَدْ يَحُثُّ علَى التَّرْكِ مُوهِمًا أَنَّهُ فِي مَقَامِ التّوَكُّلِ، وإِنَّمَا هو عَجْزٌ ومَهَانَةٌ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُفِّقَ لِلْفَرْقِ، وحَذِرَ مِنْ تَمْوِيهِهِ وَاغتيَالِهِ.
هذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ جَمْعُهُ، وكَانَ الفَرَاغُ مِنْ جَمْعِهِ وتَأْلِيفِهِ لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ َالأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعَ ٍوعِشْرِينَ وثَمَانِي مِائَةٍ علَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ خَطُّ مُؤَلِّفِهِ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلاً وآخِرًا وظَاهِرًا وبَاطِنًا، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٌ، وآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمْ تسليمًا كثيرًا إِلَى يومِ الدِّينِ، ورَضِي اللَّهُ عَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وعَنِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحسَانٍ إِلَى يومِ الدِّينِ، وحَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ.

اسم الکتاب : الغيث الهامع شرح جمع الجوامع المؤلف : العراقي، ولي الدين أبي زرعة    الجزء : 1  صفحة : 841
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست