اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 627
كان بيننا، وقرّب قربنا قُرب مثل قرب البعاد كان بيننا، أي قرّبني منه بحسب ما كان بيني وبينه من البعد.
قال الشيخ ابن عاشور في بيان وجه قراءة هذا البيت على ما هو وارد به في الواضح: أقربَ وأبعدَ فعلان. هكذا ولم يرد قرّب في الأصل، ولعله أراد التصحيح والحفاظ على التماثل في صيغتي الفعلين أو اللفظين، كما في رواية السرقات، وإن اختلف إعرابهما كما سيتّضح من المقارنة بين مقالة ابن جِنِّي وتفسير ابن السرّاج. والهمزة فيهما هنا في هذا الوجه للتعدية، وفاعل الفعلين ضمير يعود إلى السير في قوله قبل بيتين:
جزى الله السير إليه خيراً
وانتصب بُعدَ التداني وقرُبَ البعاد على المفعول المطلق المراد به التشبيه، أي بعداً كبعد التداني وقرباً كقرب البعد، وضميراً بعدنا وقربنا عائدان إلى المتكلّم وإلى ممدوحه علي التنوخي.
وفي تصوير معنى البيت يقول: كبعد التداني منّي، وكقرب البعاد منّي، أي أبعد السير إليه، أي دفع عنِّي ما كان من بعد ما كان منّي بعد، فأشبه البعد الآن في الانفصال ما كان منّي بعد الدنوّ، وقرب السير إليه إلى ما كان بعيداً بُعداً يشبه بعدَ الاتصال.
وبعد هذا التفسير الإعرابي وصف بيت المتنبي هذا بكونه من أبيات المعاني، معلِّلًا رأيه بما توفّر فيه من دقة المعنى وتشابه الألفاظ وتضاد معانيه وخفاء إعرابه.
وأورد إثر ذلك في تفسيره مقالة ابن سيده قال: يقول: كنت منه بعيداً فكان البعد منّي حينئذٍ قريباً، والقرب بعيداً، فلمّا جئته انعكست الحال، فعاد البعد بعيداً وعاد القرب قريباً.
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 627