اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 471
ولكن الأغلب في هذا الإشارة بلفظ الحضور فتقول: وهذا قسم عظيم [1].
ولا يكتفي في هذا المقام بالاقتصار على مقالة الرضي، بل يرجع إلى ابن مالك في التسهيل ليحكي عنه تسويته بين الإتيان بالقريب والبعيد في الإشارة إلى كلام متقدم فيقول: وقد يتعاقبان - اسم القريب والبعيد - مشاراً بهما إلى ما ولياه من الكلام. ومثّله شارحه بقوله تعالى بعد قصة عيسى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} [2]، ثم قال: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} [3]، فأشار مرة بالبعيد ومرة بالقريب، والمشار إليه واحد.
وفي المقارنة بين هذا الكلام وما تقدم من قول الرضي يقول الإمام: وكلام ابن مالك أَوفَى بالاستعمال، إذ لا يكاد يُحصر ما ورد من الاستعمالين. فدعوى الرضي قلة أن يذكر بلفظ الحاضر دعوى عريضة.
ثم يمضي بعد هذا إلى تثبيت حكمه والاستدلال عليه بقوله: وإذا كان كذلك كان حكم الإشارة إلى غائب غير حكم الإشارة إلى الكلام، في جواز الوجهين لكثرة كليهما أيضاً. ففي القرآن: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [4]، فإذا كان الوجهان سواءً كان ذلك الاستعمال مجالاً لتسابق البلغاء ومراعاة مقتضيات الأحوال. ونحن قد رأيناهم يتخيّرون في مواقع الإتيان باسم الإشارة ما هو أشد مناسبة لذلك المقام. فدلّنا على أنَّهم يعرّفون مخاطبيهم [1] ابن الحاجب. شرح الكافية: 2/ 32. [2] آل عمران: 58. [3] آل عمران: 62. [4] القصص: 15.
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 471