اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 403
رمضان حتى نزل قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [1] أو لأن الناس في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا صالحين. فهو يكل بعض الأحكام العارضة إلى ما يعلم من زهدهم وورعهم؛ أو لأَنَّ في ذلك بعدَ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - تفويضاً إلى أفهام الفقهاء في الدين، فيردُّون ذلك بالاجتهاد إلى الكتاب والسنة. وقد يتعذر تحديد كيفية التحريم لتشعّب صوره، ودقة الفروق التي تؤقّت التحريم، وعُسر وضع عموم الناس تلك الصور مواضعَها. فيترتب على هذا أنه إذا حرم تحريماً غير مفصل دخل على الناس حرج بذلك، وإذا فصّل فُتح، لأسباب الأفهام الضعيفة، باب التقصيد فيه. وهذا لا يناسب منهج الشرع، فيكون سؤال السائل عن ذلك الحكم موقعًا للناس في حرج، ومغلقاً في وجوه العلماء باب الاجتهاد من تفصيل وتأويل. وربما قام الدليل على ذلك ككراهية الرسول - صلى الله عليه وسلم - تناقل الناس أنه حلّل أو حرّم غير ما حلّله القرآن أو حرَّمَهُ. وهذا ما أثار عند علماء الأصول النظر في الأحكام الثابتة بالكتاب، وما هو معلوم من الدين بالضرورة.
والجُرْم، في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، إمّا أن يراد به الذنب فقوله: "من أعظم الناس جرماً"، أي من أعظمهم ذنباً، وصف بذلك السائل لتسبّبه في حرج مستمر على المسلمين. ومثال هذا ما روي من النهي عن كراء الأرض بما يخرج منها، وتحريم عودة المرأة إلى زوجها بعد الملاعنة، والرجم في الزنى. وقد رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرض عن المقرّ على نفسه ثلاث مرات لعله ينصرف. [1] البقرة: 187.
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور الجزء : 1 صفحة : 403