responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 113
وحين قال بعض المتزلّفين في مجلس الباي عند قراءة شرح المادة الأولى من قانون عهد الأمان - وهي كما ذكر ابن أبي الضياف قاعدة كل القواعد - أي شيء بقي لسيدنا؟ ردّ عليه الوزير خير الدين، وكان أثبت القوم جناناً وأقواهم إيماناً: بقي لسيدنا ما بقي للسلطان عبد المجيد، وما بقي لسلطان فرنسة، وسلاطنة بريطانية، وغيرهم من السلاطين بالقانون [1]. وفي ذكر هذا دلالة صريحة على تغير اتجاه ابن أبي الضياف في نظرته إلى نظام الحكم، وهو ما وضع لتحليله العقد الأول من مقدمة تاريخه كما ذكرنا.
فالملك أو الحكم لديه منصب ضروري للنوع الإنساني. وهو واجب على الأمة شرعاً، راجع إلى اختيار أهل الحل والعقد فيها. وهو ثلاثة أصناف: ملك مطلق، وملك جمهوري، وملك مقيد بقانون شرعي أو عقلي سياسي [2]. وتتضح من المقارنة بين الأصناف الثلاثة خصائص ومميزات ينفرد بها كل صنف منها. فالمَلِك المطلق يسوق الناسَ بعصاه إلى ما يراد منهم بحسب اجتهاده في المصلحة، والملك فرد غير معصوم. وأجساد الخلق منساقة منقادة له انقياد البهائم والأنعام، خوفاً من حاميته التي جعلها آلة غلبته وقهره، وربما حصل من هذه السياسة انطباع الرعايا على صبغة الانقياد والتسليم بما تخلقوا به من ذلّ المغارم والقهر الذي جدع أنوف آبائهم، ومحا عزّة نفوسهم بمرور السنين.
وهذا الصنف من الحكم مرفوض شرعاً وعقلاً، لأنه تصرف في عباد الله وبلاده بالهوى - والشرائع إنما جاءت لإخراج المكلف من

[1] ابن أبي الضياف. الإتحاف: (2) 4/ 276 - 277.
[2] المرجع السابق: (2) 1/ 7 - 9.
اسم الکتاب : مقاصد الشريعة الإسلامية المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 113
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست