وأما الحالة الخلقية فقد كانت مزيجا من الفساد والصلاح، كما كانت مزيجا من الهدى والضلال، فتجد إلى جانب الإسراف والمجون الفاجر، الورع النادر، والزهد، والتقوى، والصلاح، والاستقامة، وهذا التغاير أمر طبيعي، نظرا لاتساع رقعة الخلافة واختلاف الملل والنحل، وتقاعس الخلفاء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من الأحيان[1].
وقد عاش المؤلف- رحمه الله- في هذه البيئة فلم يظهر تأثره بها، ولا بالتيارات المختلفة على الرغم من أنه كان في بغداد عاصمة الخلافة، وقد كان في ذلك شأنه شأن العلماء الأجلاء الذين عاشوا في هذا العصر.
ثالثا: الحالة الثقافية والعلمية:
على الرغم من مظاهر الضعف والتدهور وعدم الاستقرار السياسي الذي انتاب دولة الخلافة العباسية في ذلك العصر، إلا أن الحالة الثقافية كانت على حالة مغايرة تماما، فقد تميز هذا العصر بنهضة علمية وفكرية قوية، إذ عاش فيها جل المحدثين، والفقهاء، وعلماء اللغة، والمؤرخين، وغيرهم، وباستعراض سريع لبعض علماء كل علم من هذه العلوم نرى كيف أن هذه الفترة قد حوت علماء مبرزين قل أن يوجد مثلهم في زمن مشابه.
فمن المحدثين: شيخ المحدثين الإمام محمد بن إسماعيل البخاري
1 "العصر العباسي الثاني": ص 106- 112.