ويقول ابن القيم- رحمه الله تعالى-: "تنازع الناس في كثير من الأحكام، ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، أعني فهم أصل المعنى، لا فهم الكنه والكيفية"[1].
وأما بالنسبة إلى ما استدل به أصحاب هذا القول على أن القول بالتفويض هو مذهب السلف وذكرهم لقول الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"، فليس المراد ههنا تفويض معنى الاستواء، ولا نفي حقيقة الصفة، ولو كان المراد الإيمان بمجرد اللفظ من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قال: "الكيف مجهول"، لأنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى[2]. والاستواء على هذا المعنى لا يكون معلوما، بل هو مجهول بمنزلة حروف المعجم، لكن الأمر على عكس ذلك، فنفى علم الكيفية لأنه أثبت الصفة، وأراد بقوله: الاستواء معلوم، أي: أنه معلوم معناه في اللغة التي نزل بها القرآن، فعلى هذا يكون معلوما في القرآن.
ومعلوم أن ادعاء هؤلاء أن مذهب السلف إنما هو القول بالتفويض سببه اعتقاد هؤلاء أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر- كان مع ذلك
1 "مختصر الصواعق": (1/ 15) .
2 "الفتوى الحموية": ص 25.