وقول الآخر:
هما استويا بفضلهما جميعا ... على عرش الملوك بغير زور
فهذان البيتان لم يثبت نقل صحيح على أنهما شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة قد أنكرهما.
قال ابن فارس: "هذان البيتان لا يعرف قائلهما"[1].
فهما على هذا بيتان مصنوعان، ومعلوم أنه لو احتج بحديث رسول الله عام لاحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده، وقد طعن فيه أئمة اللغة.
قال عمر بن عبد البر: "وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة: المغالبة، والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله- عز وجل- أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء، والاستقرار والتمكن فيه، قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {اسْتَوَى} قال: علا.
1 "زاد المسير" لابن الجوزي: (3/ 212) .