رابعا: أنه إذا فسر الاستواء بالغلبة والقهر عاد معنى الآيات كلها إلى أن الله- تعالى- أعلم عباده بأنه خلق السموات والأرض، ثم غلب على العرش بعد ذلك وقهره وحكم عليه أفلا يستحي من الله من في قلبه أدنى وقار لله ولكلامه أن ينسب ذلك إليه وأنه أراد بقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} : أي: اعلموا يا عبادي أني بعد فراغي من خلق السموات والأرض غلبت عرشي وقهرته واستوليت عليه[1].
خامسا: أن ما يستند إليه هؤلاء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة، هو قول باطل مردود لأنه لم يثبت عند أحد من أهل اللغة أن لفظة استوى يصح استعمالها بمعنى استولى بل إن هذا القول منكر عند اللغويين.
فهذا ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فقال: "هو كما أخبر عز وجل، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضادا فإذا غلب أحدهما قيل استولى أما سمعت النابغة:
إلا لمثلك أن من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد"2
وقد سئل الخليل بن أحمد هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟
1 "مختصر الصواعق": (2/ 140- 141) .
2 "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي: (2/ 399) .