مخالفة أقوال المعطلة والحلولية لصريح المعقول، وصحيح المنقول.
خامسا: دليل الفطرة
من المعلوم أن الفطرة السليمة قد جبلت على الاعتراف بعلو الله- سبحانه وتعالى-، ويظهر هذا الأمر حينما يجد الإنسان نفسه مضطرا إلى أن يقصد جهة العلو ولو بالقلب حين الدعاء، وهذا الأمر لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه، فضلا عن أن يرد على قائله وينكر هذا الأمر عليه.
ومن أجل ذلك لم يجد الجويني- إمام الحرمين- جوابا حين سأله الهمداني محتجا عليه بها، فقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الأستاذ أبا المعالي الجويني المعروف بـ"إمام الحرمين"، وهو يتكلم في نفي صفة العلو، ويقول: "كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان"، فقال الشيخ أبو جعفر: يا أستاذ دعنا من ذكر العرش- يعني: لأن ذلك إنما جاء في السمع- أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا ألله، إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عق قلوبنا؟ قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني[1].
1 "مجموع الفتاوى": (4/ 44، 61) ، "شرح العقيدة الطحاوية": ص 325، 326.