وذلك لأن كلمة "مع" في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطا بالآخر، وهي إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسة، أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى.
ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، واقتضت في كل موضع أمورا لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع، وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما:
المعنى الأول: المعية العامة
والمراد بها أن الله معنا بعلمه، فهو مطلع على خلقه، شهيد عليهم، ومهيمن، وعالم بهم، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
فالله- سبحانه وتعالى- قد افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم، ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر[1]، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية[2]، وابن القيم[3].
1 "التمهيد": (7/ 138) .
2 "مجموع الفتاوى": (5/ 193) ، و (5/ 519) ، و (11/ 249، 250) .
3 "اجتماع الجيوش الإسلامية: ص 44.