ثم ذكر سعة كرسيه منبها به على سعته - سبحانه- وعظمته وعلوه، وذلك توطئة بين يدي علوه وعظمته، ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث، ولا مشقة، ولا تعب"[1].
وأما الأحاديث والآثار الواردة في الكرسي فهي كثيرة جدا، وقد أورد ابن أبي شيبة بعضا منها، فنكتفي بما أورده[2].
وقد تعددت الأقوال واختلفت في الكرسي كما تعددت واختلفت من قبل في العرش. والأقوال في الكرسي هي:
القول الأول:
أن المراد بالكرسي: العلم.
وهذا القول هو قول الجهمية[3]، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلم، كما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فرارا منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه، وقد استدلوا بما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} قال: كرسيه علمه[4]. [1] انظر: "مختصر الصواعق": (1/ 288) . [2] انظر الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب تحت رقم 45، 46، 58، 59، 61، 88. [3] انظر: "التنبيه والرد": ص 104، و"الكشاف": (1/ 385، 386) ، "مجموع الفتاوى": (5/ 60) ، و"الرد على بشر المريسي": ص 71، و"تفسير روح المعاني": (3/ 10) . [4] أخرجه الطبري في "تفسيره": (3/ 9) ، وعبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة": (2/ 167) ، وابن منده في "الرد على الجهمية": ص 45، والبيهقي في "الأسماء والصفات": ص 497.
وأورده ابن كثير في "تفسيره": (1/ 309) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم. وجميعهم من طريق مطرف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه، وهو حديث غير صحيح. وقال الدارمي: "هو من رواية جعفر الأحمر، وليس جعفر ممن يعتمد على روايته إذ قد خالفه الرواة المتقنون".
وقال ابن منده: "لم يتابع عليه جعفر، وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير".