اسم الکتاب : أنس المسجون وراحة المحزون المؤلف : الحلبي، صفي الدين الجزء : 1 صفحة : 165
فلما وقفت ببابه كرهت أن أستأذن، فيعلم أنّي حضرت بسبب أبي دلف فيعجّل عليه، فدخلت على دابتي إلى الموضع الذي كنت أنزل فيه، وأوهمت حاجبه أنّي جئت برسالة المعتصم. ثمّ نزلت ورفع السّتر، فدخلت فوجدت الإفشين في مجلسه، وأبو دلف بين يديه مصفّدا بالحديد، في نطع. وهو يقرّعه، ويخاطبه بأشدّ غضب وأغلظ مخاطبة. فحين قربت منه أمسك، فسلّمت وأخذت مجلسي، ثم قلت: قد عرفت حرمتي من أمير المؤمنين، ومكاني منه، وخدمتي إيّاه وموضعي عنده، وتفرّده بالصّنيعة عندي والإحسان، وعلمت أيضا ميلي إليك ومحبّتي لك، وقد رغبت [إليك] فيما يرغب [فيه] [1] مثلي إلى مثلك ممّن قد رفع الله قدره، وأجلّ خطره، وأعلى همّته. فقال: كلّ ما قلت كما قلت، وكلّ ما أردت منيّ فهو مبذول لك خلا هذا الجالس، وإنّي لا أشفّعك فيه أبدا. فقلت: ما جئتك إلاّ في أمره، ولا ألتمس منك غيره، ولولا شدّة غضبك وما تتوعّده [2] به من القتل لكان في جميل عفوك ما أغنى عن كلامك، ولكنّي لما عرفت غيظك وما تنقمه عليه احتجت-مع موقعه مني-إلى كلامك في أمره، واستيهاب عظيم جرمه؛ إذ مثلك في جلالتك إنّما يسأل جلائل الأمور. فقال: يا أبا عبد الله، هذا رجل طلب دمي فلم يقنعه إزالة نعمتي، فلا سبيل إلى تشفيعك فيه، ولكن هذا بيت مالي، وهذه ضياعي وكلّ ما أملك بين يديك، فخذ من ذلك كلّه ما أردت.
فقلت: بارك الله لك في أموالك وضياعك وثمرها، لم آتك في هذا، وإنّما أتيتك في مكرمة يبقى فضلها وحسن أحدوثتها، وتعتقد بها منّة [3] في عنقي لا أزال مرتهنا بشكرها. فقال: ما عندي في هذا شيء البتّة. فقلت:
القاسم بن عيسى فارس العرب وشريفها، فاستبقه وأنعم عليه، فإن لم تره [1] ما بين معقوفين مستدرك من الفرج بعد الشدة. [2] في الأصل: تتواعده. [3] في الأصل: منيّة. والتصحيح من الفرج بعد الشدة.
اسم الکتاب : أنس المسجون وراحة المحزون المؤلف : الحلبي، صفي الدين الجزء : 1 صفحة : 165