responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 77
على نحو ما يتكون التفكير المنطقي المنظم، ولا هي تتبع الطريق الذي يسلكه ذلك التفكير حتى يخرج في صورة لفظية. وقد رحنا نقول: إن هذا معنى شعري وذاك منطقي على أساس من اعتبار للتجربة الشعرية عند الشاعر، والفكرة المنطقية عند غير الشاعر، وهو اختلاف جوهري, كما يقول "جاك ماريتان"[1].
ولكن ينبغي هنا أن ندرك أن اللغة في مجملها ذات طبيعة تحليلية "أغلب اللغات لها هذه الطبيعة، وبعضها -كاللغة العربية- تركيبي"، ولكن تجربة الشاعر وحده. وهنا تأتي المفارقة في عمل الشاعر؛ لأنه يريد إنتاج تركيب معين من خلال اللغة ذات الطبيعة التحليلية، "وإحداث أثر تركيبي من خلال أداة تحليل يمثل نجاحًا للشاعر، والنثر الذي هو طريقة تعبيرية أكثر ميلا إلى التحليل، لا يتمثل فيه مثل هذه المفارقة بنفس الدرجة"[2].
ولكي يستخدم الشاعر هذه الأداة التي يستخدمها غيره، والتي تتمشى مع أغراضهم أكثر مما تسعفه، فإنه يجد نفسه مضطرا في كثير من الحالات لأن يغير من قيمة هذه العملة، وهذا التغيير يحدث أحيانًا على ألسنة الناس أنفسهم، وأحيانًا أخرى نتيجة للضرورات المفاجئة في التعبير الفني, وقد يحدث هذا التغيير من القلم المتردد في يد المؤلف. وكل هذه التغييرات التي يحدثها الشعر في اللغة يجعل منها شيئًا آخر, إنها تصبح لغة شعرية لا أنها في ذاتها لها هذه الخاصية، ولكن لأنها خضعت للتجربة الشعرية في نفس الشاعر، ومقتضيات التعبير عن هذه التجربة.
فإذا نحن اعتبرنا هذا الأساس، تبين لنا الخطأ في محاولة فهم طبيعة الشعر من خلال نظرية في الغاية من الشعر بعامة، تجعل مهمته تربية الشبان وتثقيفهم. والذين يأخذون بذلك يخلطون -كما يقول فاليري- بين الآراء العامة والمتعة المباشرة التي يثيرها العمل الفني. إنهم يفهمون العمل الفني على مرحلتين، فلا يفهمون القصيدة أو يتذوقونها من حيث هي شعر تذوقًا مباشرًا، ولكنهم يترجمونها -إذا صح التعبير- إلى النثر أولا، ثم يفهمونها ويتذوقونها ويحكمون عليها أخيرًا من خلال هذا النثر. فهم يعاملون القصيدة كما لو كانت منقسمة إلى عبارة نثرية مكتفية بذاتها وقائمة وحدها من جهة، وإلى قطعة موسيقية خاصة من جهة أخرى، ثم يمضون فيقسمون العبارة بدورها فتنحل في أيديهم إلى متن صغير "قد يقل في بعض الأحيان إلى أن يصل إلى كلمة

[1] Jaques Maritain: Creative thought in Art and Poery. Bollingen seriels., New York 1935. pp. 257-8.
[2] David Daiches: Poetry., "ed in: the Enjoyment of the Arts., Philo. Libr. 1944 pp. 178 ff.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 77
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست