responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 63
الأدبي؛ لأنه يخدم نزعة دينية خاصة، أو لأنه يدعو إلى مبدأ أخلاقي بذاته، أو لأنه صالح لنقل المعرفة إلى قارئه وتثقيفه، أو لأنه يخدم سياسة خاصة أو مبدأ اجتماعيًّا معينًا.
ومن هنا ظهرت الاختلافات الواضحة بين الأحكام النقدية، وصار هذا يرضى عن العمل الأدبي للسبب الذي من أجله لم يرض عنه الآخر, ويأتي ثالث فيرفض حكم هذا وذاك، ويتناول العمل الأدبي على أساس آخر فيحكم عليه حكمًا مخالفًا. وهكذا تختلف الأحكام النقدية بحسب فهم الناقد لمهمة الأدب, واختلافها لا يبغضها إلينا؛ لأننا نستطيع أن ننظر إلى العمل الواحد على أسس كثيرة من الفهم، وهذا وحده لا ضرر منه. وليس غريبًا أن يختلف الناس، بل الغريب ألا يختلفوا. إنهم يختلفون في التقديرات المنطقية والأخلاقية والاقتصادية، ويختلفون على السواء، أو ربما كان اختلافهم أشد في التقديرات الفنية, ولكن يعاب هذا الاختلاف فقط عندما يكون أثرًا من آثار التحيز. والواقع أنه لا يعيب النقد الحكمي مثل التحيز و"النزعة التقريرية" dogmatism فنحن كثيرًا ما نتحيز لفكرة بذاتها فننظر إلى الأشياء من خلالها ولا نرضى أن نعدل منها أو نغير فيها, وكثيرًا ما يرجع التحيز إلى تأثرنا بشخصيات بذاتها لا نلبث أن نجد أحكامنا ترديدًا لأحكامها, وهذا معيب بطبيعة الحال. وأكثر منه عيبًا تحيزنا لأنفسنا، فنحن كثيرًا ما تنقصنا الشجاعة لكي نعدل عن وجهة نظرنا حتى عندما نعرف أنها ليست صحيحة كل الصحة. على أن التحيز غالبًا ما يكون طابع الكبار منا، في الوقت الذي يكون فيه الميل إلى التقرير طابع الشباب[1]، فالكبار يكون ذوقهم قد تكوّن واستقرّ، ويكون من الصعب عليهم -تبعًا لذلك- أن يقبلوا أي ظاهرة جديدة، بل قد يغضبهم ذلك. والشبان يراجعون الأحكام القديمة، ويحاولون من جديد أن يقوِّموا الأعمال الأدبية، فيتورطون في أحكام لا سند لها ولا تعليل.
وهكذا يتورط النقد الحكمي في عيوب لا تقل خطرًا عن عيوب النقد التفسيري. وإذا كان النقد التفسيري لا يحدثنا عن قيمة العمل الأدبي فإن تقرير هذه القيمة في النقد الحكمي -كما رأينا- محفوف بكثير من الخطورة. وكثيرًا ما ينسى الناقد -حين يصدر حكمًا- أننا ننتظر منه تحديدًا لقيمة العمل الأدبي، فإذا به -تحت وقع فكرته الخاصة بغاية الأدب- ينسى أنه محتاج لأن يضع يدنا على "فرق القيمة" في هذا العمل الأدبي

[1] انظر:
H. J. C Grireson: Criticism and Creation., Chato and Windus, London 1949, p. 29 ff.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 63
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست