responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 61
القاضي في المحكمة، فلا بد أن يقول لنا الناقد لماذا حكم بالجودة لهذا والرداءة لذلك. وأكثر من هذا أنه في كثير من الحالات يكون في حاجة لأن يحدد لنا في حكمه "الفرق في الدرجة" بين شيئين, كلاهما جيد. وهنا تكون مهمة الناقد حقا، فوضع المبررات التي جعلته يصدر حكمًا بذاته أمر من الصعوبة بمكان.
والقاضي حين يكتب "حيثيات" الحكم في إحدى القضايا إنما يستلهم القوانين الموضوعة له، أو على الأقل روح هذه القوانين. فهل هناك مجموعة مماثلة من القوانين الأدبية التي يلجأ إليها الناقد يستلهمها حيثيات حكمه؟ ومن وضع هذه القوانين؟ ومن أين اشتقت؟
الواقع أن هناك قوانين يستند إليها الناقد في حكمه وفي تعليله لهذا الحكم, وقد سن هذه القوانين كبار النقاد, وهم قد اشتقوها من أعظم الأعمال الأدبية التي أنتجتها العبقريات المبدعة, والنقاد يعملون بمقتضاها، ويتحركون في حدودها، ويوجهون إليها الشعراء. وقد نشعر بشيء من النفور عندما نسمع عبارة القوانين النقدية؛ لأننا نحب في الناقد ألا يكون مجرد منفذ للقوانين التي تفرض من الخارج، كما لا نود أن نحس بطابع الجمود يدخل ميدان الفن الطليق. ولكن من قال: إن قوانين النقد جامدة، وإن عمل الناقد هو أن يطبقها حرفيا؟ الواقع أنه لا مجال هناك مطلقًا للنفور أو الخوف إذا عرفنا أن في طبيعة هذه القوانين من المرونة ما يترك الفرصة واسعة أمام الناقد كيما يتحرك هو شخصيا ويثبت وجوده. إن القاضي نفسه في ساحة القضاء ليصطنع الكثير من المرونة وتكييف القانون الذي سنته الدولة بحسب الحالة التي يعرض لها للفصل فيها، وبحسب ظروفها الخاصة، فما بالنا بالناقد. ثم إننا لا نكاد نجد للنقد قوانين ثابتة، فهناك تغير مستمر فيها, ولكن هذه المسألة لا تخيفنا، فإن عمل الناقد لا ينتهي، وعليه في هذه الحالة أن يبدأ مرة أخرى. ومع ذلك فإن هذه القوانين تتصف بثبات لا تكاد تستمتع به القوانين البشرية, إنها أشبه ما تكون بقوانين الطبيعة. فالذي يحدث هو أننا لا نغير من قوانين الطبيعة، ولكننا نعدل فيها بحسب اتساع التجربة وعمقها. وإذا نحن قارنا مثلا بين علمي الفلك والطبيعة على يد طاليس[1] وأنكسمندر[2], وبينهما على يد نيوتن[3] وأينشتاين[4] لوجدنا الفرق واضحًا بين العالم كما فهم قديمًا والعالم كما فهم حديثًا.

[1] طاليس Tnales "640-546 ق. م": فيلسوف يوناني، قال: إن الماء أصل الأشياء كلها.
[2] أنكسمندر: فيلسوف يوناني برز في منتصف القرن السادس ق م.
[3] السير إسحاق نيوتن Sir Isaac Neuton "1643-1729": رياضي وفيزيائي إنجليزي، وضع قانون الجاذبية العام، وقانون الحركة.
[4] ألبرت أينشتاين Albert Einstein "1879-1955": فيزيائي أمريكي، ألماني المولد، صاحب نظرية النسبية، منح جائزة "نوبل" في الفيزياء عام 1921.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست