responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 49
الأساس النقدي للأدب القديم والحديث:
وهنا يأتي هذا السؤال: أي الأدبين على هذا الأساس أكثر قيمة، الأدب القديم أم الأدب الحديث؟ إن النشاط المعاصر هو النشاط الوحيد المهم حقا بالنسبة لنا, وأدب الزمن القديم لا قيمة له عندنا إلا لأنه ينير الحياة التي نحياها. فالأدب يكتب أولًا لهؤلاء الأحياء القادرين وحدهم على أن يستخرجوا منه الحد الأقصى من كمية المعنى, والنشاط الأدبي جانب حيوي من جوانب الحياة، فلا يستطيع إنسان أن يحيا حياة ممتلئة دون أن يهتم بكل نوع من أنواع النشاط المعاصر. وكما أن العلم المعاصر يهم العالم أكثر من علم العصور السابقة، وكما أن السياسة المعاصرة تهم السياسي أكثر من سياسة[1] Walpole أو أفكار "بت Pitt" الأكبر[2]، فكذلك الأدب المعاصر، ينبغي أن يكون من الأهمية عند رجل الأدب في المكان الأول[3].
ومعنى هذا أن الأدب الحديث أكثر قيمة؛ لأنه أكثر صلة -بالنسبة لنا- بالحياة التي نحياها، فقد نشأ فيها، وتبع منها. وقد كان نقاد العرب الأوائل يتورطون في أن يجعلوا للقديم كل القيمة, وكانوا يرفضون كل قيمة لأي عمل أدبي محدث, وقد دعتهم إلى ذلك دواعٍ لا محل لها الآن. ولكن ينبغي ألا نقف نحن الآن عند الرأي المقابل، ونتطرف مثلهم، فننفي القيمة عن كل عمل أدبي قديم، لا لشيء إلا أنه قديم، ونخلع القيمة على كل عمل أدبي حديث أو معاصر، ففي الأدب القديم نماذج رائعة لم تفقدها الأيام قيمتها، وكذلك يفتقد كثير من الأدب المعاصر القيمة الحقيقية، ولكن كثيرين منا يحكمون على الأعمال الأدبية المعاصرة بأنها عديمة القيمة للسبب الذي من أجله كان ينبغي أن تعد كبيرة القيمة، وأعني بذلك عنصر الابتكار الذي تحدثنا عنه. فالابتكار -كما قلنا- يقع في العمل الأدبي، في فكرته وصورته على السواء. ومن هنا تطورت الصور الأدبية؛ لأن الأفكار ذاتها تطورت, وفي هذه المرحلة التي يتم فيها الانتقال من طور أدبي إلى طور آخر، لا يجد الكثيرون في أنفسهم الشجاعة الكافية لتقبل الصور الأدبية الجديدة ومحاولة فهمها وتذوقها، بل يقفون منها موقف التنكر، ويسلبونها كل قيمة, ثم يلوذون -بالضرورة- بالأدب القديم. وصحيح أن الأدب المعاصر لا يخلو من

[1] السير روبرت وولبول Sir Robert Walpole "1676-1745 م": سياسي بريطاني، ورئيس الوزراء في المدة من "1721 إلى 1742م".
[2] وليم بت William Pitt "1708-1778 م": سياسي بريطاني، ورئيس الوزراء في المدة من "1756 إلى 1761م" ومن "1766 إلى 1768م"، قاد دفة السياسة البريطانية خلال حرب السنوات السبع.
[3] نفسه ص16.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 49
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست