responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 34
ومن الملاحظ أن الإنتاج الأدبي في هذه العصور المختلفة لم يكن مقسمًا بالتساوي بين الأنواع الأدبية المختلفة، ففي القرن الثامن عشر غلب النثر. ويذهب "درنكووتر[1] Drinkwater" إلى أن تاريخ النشاط الأدبي بين سنة 1914 وسنة 1939 -أي: بين بدايتي الحربين العالميتين- هو إلى حد بعيد، تاريخ القصة، ولا عجب في ذلك عنده، فقد كانت هذه الفترة فترة اضطراب اقتصادي وخلقي وعقلي. وقد تبع ذلك أن المادة التي كان على الكاتب أن يتناولها كانت معقدة إلى حد أنه لكي يضعها في شكل أدبي, كان في حاجة إلى صورة تستطيع تسجيل كل أنواع الأفكار والتجارب, والقصة تفي بذلك الغرض؛ ومن ثم أصبحت القصة أداة الجميع في التعبير، فاحتلت المكان الذي كانت تشغله أدوات التعبير الأخرى، كالمسرحية والمقالة والقصيدة الطويلة. وقد شجع الكاتب في هذا الاختيار معرفته أن المستويات الثقافية العالمية قد خلقت جمهورًا لا يشجعه على قراءة الأدب إلا إطار الفن القصصي. وربما كان الميل إلى القصة كذلك راجعًا إلى أن القصة من بين جميع صور التعبير، تبدو أقل هذه الصور خضوعًا للقواعد والتحديدات، وقد كان هذا العصر عصر التمرد على الأصول، وكراهية هذه الأصول هي التي أدت كذلك إلى حركة التدهور في الشعر[2]؛ ولذلك نلاحظ أن كثيرًا من الأدباء الذين بدءوا حياتهم شعراء في تلك الفترة من القرن العشرين قد تحولوا إلى كتابة القصة. لقد كانت القصة أطوع في أيديهم لتحليل كثير من مظاهر اللاشعور، ويمكن تلخيص اتجاه الأدب في هذه الفترة بأنه كان -من جانب الأديب- تعبيرًا عن اللاشعور تعبيرًا حرًّا، يجتهد في أن يوصله إلى نفس متلقي فنه عن طريق الحس.
وقد حدث تغير كبير في العالم في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها. تغيرت مُثُل، واستُحدثت قيم، وتغير وضع الإنسان تغيرًا واضحًا. ويلاحظ "درنكووتر" أن الإنسان في السنوات الأخيرة قد أصبح تحت ضغط الحوادث حيوانًا سياسيًّا، فقد لعبت السياسة دورًا في حياة الفرد، ولكنه يستطيع أن يختار إلى أي حد ينبغي أن يكون مقدار هذا الدور. ففي القرون الماضية لم تكن جماهير الناس تستطيع القيام بأي دور فعال في هذا الميدان، فكانت تظل مبتعدة عن سير الحوادث في عالم السياسة إلى أن تؤثر هذه الحوادث في حياتهم ومصالحهم. وبقيام الديمقراطيات، وانتشار الثقافة في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أصبحت السياسة هَمَّ كل إنسان. وقد نتج عن ذلك إحساسنا بالتفاعل القوي بين الفرد والجماعة، وكان من أثر ذلك الأدب المعاصر أن

[1] جون درنكووتر John Drink Water "1882-1937 م": شاعر وناقد وكاتب مسرحي إنجليزي.
[2] راجع:
Drink water "John": The Outine Of Literature. George Newnes, London 1950, P. 752.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 34
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست