responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 32
في حكمهم- أكثر واقعية من عالم الحواس. ويدعى "مالارميه" وأتباعه رمزيين بحق؛ لأنهم حاولوا أن ينقلوا تجربة علوية في لغة الأشياء المرئية؛ ومن ثم فإن كل كلمة تكون رمزًا، وتستخدم لا في غرضها العادي بل لما تثيره من علاقات تتصل بحقيقة فوق الحواس.
فالرمزية تؤمن بالعالم من الجمال المثالي، وتعتقد أن هذا العالم يتحقق في الفن، والأشواق التي يجدها العابد خلال الصلاة والتأمل تتحقق للشاعر الرمزي خلال عمله. وقد يكون فهم الرموز صعبًا على الآخرين، ولكنها حين تنكشف لهم تنقل إليهم بهجة علوية لا تتحقق بأي أسلوب آخر.
وهكذا خالف الرمزيون الرومانتيكيين من حيث تحاشيهم الموضوعات الشعبية والسياسية. وكذلك كانوا أعداء لوجهة النظر الواقعية أو العلمية؛ لأنها -بطبيعتها- تنكر, أو تحطم العالم المثالي الذي هو مركز لألوان نشاطهم. ويمكن أن يقال -من الناحية السياسية: إن الرمزية كانت رد فعل أرستقراطي لانتشار الأفكار الديمقراطية، فلم يكن الرمزيون يتحدثون إلى وطن أو إلى جيل, ولكن إلى أنفسهم.
وقد اهتم الرمزيون بالموسيقى في شعرهم اهتمامًا كبيرًا، وكان تأثرهم عظيمًا بموسيقى "فاجنر"[1]، فكانوا حين يستمعون إليها يحسون في عظمتها وقوة دفعها شيئًا جديدًا، وقد وجدوا فيها مثيرًا يشبه تمامًا ما أرادوا أن يحدثوه من خلال شعرهم. ومن هنا كانت الموسيقى أساسية عندهم؛ لأن عملها الإثارة والإيحاء, وكان "مالارميه" يرى أن الشعر يجب ألا يعلم فقط بل يوحي ويثير، ألا يسمي الأشياء بل يخلق أجواءها[2].
وإذا كنا نستطيع أن نميز القرنين السابع عشر والثامن عشر بنزعتهما الكلاسيكية, فإننا لا نستطيع كذلك أن نتحدث عن طابع القرن العشرين مثلا؛ ذلك أنه عصر معقد غاية في التعقيد، والمذاهب فيه تظهر وتختفي بين فترة وأخرى، وقد فقد الناس فيه ثقتهم في العقل "الكلاسيكية" كما فقدوها من بعد في العاطفة "الرومانتيكية"، وراحوا بعد ذلك يبحثون عن أسلوب جديد لإدراك الحقيقة، وقد ظهرت نتيجة لذلك مدارس كثيرة مختلفة ومتعارضة، ولكننا نستطيع أن نلمح عاملًا واحدًا يكمن وراءها ويوجهها هو "اللاشعور". فالروح العام لذلك العصر هو البعد عن العالم الخارجي والفرار منه إلى العالم الداخلي, والأديب في هذه الحالة يترك ذاكرته "اللاشعورية" تعمل وتسجل أفكارها الغريبة، وهو بذلك يحاول نوعًا من الكتابة الآلية التي تقترب -بدرجة تختلف

[1] ريتشارد فاجنر Richerd Wanger "1813-1883 م": مؤلف موسيقى ألماني، أدخل الدراما في الأوبرا.
[2] المعلومات التي عن الرمزية هنا يرجع فيها إلى:
C. M. Bowra: the Herritage of Symbolism., macmillan, London, 1943, pp. 16.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 32
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست