اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 21
التي يلجأ إليها ليحقق المشاعر والمعاني في أشكال ملموسة مؤثرة، كما يحدث في استخدامه للاستعارة مثلا. ولكن أين تقع هذه الصور الحسية التي يكونها الأديب؟ إنها في الحقيقة لا تتمثل إلا في الخيال, فحين يقول أبو تمام في ممدوحه أنه:
رقيق حواشي الحلم، لو أن حلمه ... بكفيه ما ماريت في أنه برد
ويرسم لنا هذه الصورة الحسية للحلم، فإنه لم يرسم لنا صورة تنهض أمام العين كما هو شأن المصور، ولكنها صورة تتمثل في الخيال. وكذلك لا يمكن أن يقوم العمل الأدبي على حشد من هذه الصور مستقلة، كما لم يمكن أن يقوم على حشد من الزخارف الصوتية. أليس من الأفضل أن نقول: إن العمل الأدبي بناء لغوي يستغل كل إمكانات اللغة الموسيقية والتصويرية والإيحائية والدالة في أن ينقل إلى المتلقي خبرة جديدة منفعلة بالحياة؟ ليس هذا بطبيعة الحال تعريفًا للأدب، وإنما هو اقتراح لتعريف "العمل الأدبي"؛ لأن العمل الأدبي هو الشيء القائم الملموس، وهو ما يمكن أن نتناوله بالدرس. أما الأدب ذلك الشيء المجرد، فما أولانا ألا نتعب أنفسنا في محاولة تعريفه.
وقد قلنا في سياق الكلام: إن الأديب يستخدم اللغة استخدامًا خاصًّا، والواقع أن هذا لا بد أن يكون بدهيًّا، على الأقل من حيث إن كل أديب له شخصيته المستقلة، فيتبع ذلك أن تكون له لغته الخاصة، أو لنقل أسلوبه الخاص.
2- مشكلة الأسلوب:
وقديمًا قال بوفون[1]: "إن الأسلوب هو الرجل نفسه"[2] وكذلك عرف فلوبير[3] الأسلوب بأنه: "طريقة الكاتب الخاصة في رؤية الأشياء"، ويستطيع فلوبير أن يستبدل بالرؤية الشعور أو التفكير فيقول: إن الأسلوب هو طريقة الكاتب الخاصة في التفكير أو الشعور. "والطريقة الخاصة في الشعور والرؤية تفرض طريقة خاصة في استخدام اللغة، فالأسلوب الصادق إذن يجب أن يكون فريدًا إذا كنا نفهم من عبارة "الأسلوب الصادق" تعبيرًا لغويًّا كافيًا كل الكفاية عن طريقة الكاتب في الشعور"[4]. [1] Comte Georges Louis Leclerc de Buffon "1707-1788 م": كاتب وعالم طبيعة فرنسي. [2] Buffon. Discourse sur le Style: Librairie Haiter, Paris 1920, p. 17. [3] Gustave Flaubert "1821-1880 م" روائي فرنسي, يعده بعض النقاد رائد الواقعية في الأدب الحديث. [4] Murry، كتابه السابق ص15.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 21