اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 19
يهدف إلى التأثير فينا، عندئذ ندرك الجهد الذي يبذله الأديب لتطويع الألفاظ لأداء مهمته الكبرى، فالمؤلف لا يكتفي بأن يجد اللغة الدالة على ما يرغب في أن يقوله، ولكنه يجب كذلك أن يذهب -أبعد من الدلالة- إلى الإيحاءات الفنية خلال ذبذبات النفس والفكر[1].
وهذا معناه أن الأديب يختار في عمله الأدبي الكلمات ذات الإيحاء الفني. ولكن ينبغي ألا توقعنا هذه العبارة في الفكرة الخاطئة التي شاعت قديمًا واتخذت في كثير من الحالات أساسًا للحكم على الإنتاج بأنه أدبي أو غير أدبي، وأعني بذلك الفكرة القائلة: إن هناك لغة أدبية، أو -على وجه التحديد- ألفاظًا أدبية وأخرى غير أدبية، فكما أن موضوعات الحياة كلها تصلح للتناول الأدبي -"ومن الخطأ أيضًا بطبيعة الحال أن نقول: إن هناك موضوعات تصلح للأدب وأخرى لا تصلح"[2]- فكذلك كل ألفاظ اللغة صالح لأن يستخدم في عمل أدبي. كل ما في الأمر أن الأديب يختار للكلمة المكان الذي تكون فيه أصلح كلمة تستخدم، وتكتسب الكلمة "وضعًا" خاصًّا باستخدام الأديب لها في ذلك المكان. وهذا جزء من عملية التطويع التي يتناول بها الأديب اللغة ليخضعها لغرضه، ويستخدمها استخدامًا خاصًّا.
ويلاحظ "نيومان" أنه بينما تستخدم الأغلبية من الناس لغة زمانهم "كما يجدونها" فإن العبقري يستخدم اللغة لأغراضه الخاصة، ويشكلها تبعًا لاستعداداته الخاصة. ويعلق "هدسون" بقوله: ومعنى هذا أن اللغة تستقبل دائمًا أثرًا جديدًا خاصًّا على يدي كل كاتب له شخصية قوية التميز"[3].
فالكلمة قد تكتسب قوتها من الشخصية التي استخدمتها. وكم من عبارات كان لها أثرها في النفوس لم تكن لتحدث هذا الأثر لو لم تصدر عن شخصية بذاتها.
إن الأديب ذا الشخصية القوية المؤثرة يخلق للكلمة -باستخدامه إياها- مجالا واسعا، ولا يلبث الكثيرون أن يجدوا أنفسهم واقعين في إسارها. فمن حيوية الشخصية وقوتها تستمد الكلمة، وهي بهذه الحيوية والقوة تؤثر في الآخرين, وتفرض نفسها عليهم. [1] Starr كتابه السابق ص30. [2] انظر المرجع السابق ص22. [3] Hudson كتابه السابق ص36.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 19