responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 153
وهذه الوجهة ترد كاتب ترجمة الحياة مرة أخرى إلى وظيفة رسام البورتريت، فهذا الأخير دائمًا يواجه مشكلة خلفية الصورة التي يرسمها. وليس الرسامون على وفاق بشأن هذه الخلفية، فبعضهم يتركها عارية تمامًا من أي تفصيلات، وبعضهم يختار منظرًا له دلالته ليجعل منه خلفية للصورة. وبنفس المنطق يواجه كاتب الترجمة -أو ينبغي أن يواجه- مشكلة الخلفية التاريخية لحياة من يترجم له, ترى أي الإطارين يختار؟ أيكتفي بحياة الشخص نفسه المحددة بحادثتي ميلاده ووفاته, أم يضع هذه الحياة المحددة داخل إطار من تفصيلات العصر؟
الجواب على هذا السؤال تحدده طبيعة الإنسان نفسه الذي نترجم له، فإذا كانت حقيقته البارزة ماثلة في تطور "حياته الداخلية"، وكان قد آثر لنفسه العزلة فلم ينتمِ إلى مدرسة فكرية أو أدبية أو إلى تنظيم سياسي، فعند ذلك يكون من العبث الصراح صرف اهتمام كبير إلى تفصيلات الحياة في العصر الذي عاش فيه. أما إذا كان قد خضع لبعض المؤثرات في هذا العصر, فإن الضرورة تقضي بالتعرض لتلك المؤثرات -وتلك المؤثرات وحدها- التي عملت على تشكيل شخصيته.
ولعلنا نلاحظ في هذا المقام عيبًا فنيًّا في كثير من التراجم التي يصدرها كتابنا، هو أنهم يحشدون كل ما يجمعونه من حقائق عن عصر الشخص الذي يترجمون لحياته دون أن يستفيدوا منها في تجلية جوانب الشخص الرئيسية. قد تكون هذه الحقائق معلومات مفيدة في ذاتها، ولكنها -بهذه الطريقة- تجافي طبيعة فن ترجمة الحياة.
كيف يختار كاتب الترجمة موضوعه؟
قدر لبعض الشخصيات ذات الأهمية أن تظفر بعناية الكتاب سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم, ولكن مثل هذه الكتابات لا يمكن أن تكون نهائية، فما زال هناك أكثر من مبرر لإعادة الكتابة عنها. وفي الوقت نفسه يحفل التاريخ بأشخاص كان لهم في حياتهم دور كبير، ولكن المترجمين أهملوهم؛ لنقص في المصادر والوثائق، أو لظروف اجتماعية وسياسية عاشها أولئك الكتاب أو لغير ذلك من الأسباب. وفي هاتين الحالتين يجد كاتب الترجمة الفرصة متاحة له لاختيار الشخصية التي يترجم لها.
فإذا كانت الشخصية قد سبق أن ترجم لها آخرون في أزمان مختلفة فهناك المبررات التي تجعل من حق الكاتب الترجمة لها من جديد، فكثيرًا ما يكون ظهور الوثائق والشواهد والأدلة الجديدة مغيرًا لما انتهت إليه التراجم السابقة كليا أو جزئيا, وهذا مبرر لإعادة الترجمة. وحتى عندما لا تظهر الوثائق الجديدة فإن المبرر يظل قائمًا في أن الشخصية الواحدة قد تعني بالنسبة لعصر خلاف ما تعنيه بالنسبة لآخر. ومن ثم

اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 153
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست